تلجأ إيزابيل الليندي في روايتها الجديدة «فيوليتا» إلى الرسائل لتستعيد مئة عام من تاريخ أميركا اللاتينية، وأبرز الاضطرابات التي شهدتها هذه القارة الملتهبة في القرن العشرين وما تلاه. هذه المرّة لم تحتج إلى اختراع قصة متخيّلة، إذ تستلهم حياة أمها التي عاشت مئة عام بين وباءين، الإنفلونزا الإسبانية (1918)، ووباء كوفيد-19، مروراً بالحروب والانقلابات العسكرية، والحسرات العاطفية. وإذا كانت روايتها الأولى «بيت الأرواح» قد بدأت على هيئة رسالة إلى جدّها الذي مات أثناء وجودها في المنفى، فإن روايتها الأخيرة تتكئ على رسائل حقيقية كانت تبادلتها مع أمها طوال عقود: «كنت أكتب لأمي، وكانت هي تكتب لي لمدة عقود كل يوم. استأجر ابني شركة لرقمنة الرسائل، وقد قدروا أنها تبلغ حوالي 24000 رسالة. كل شيء هناك؛ حياة أمي كلها، وكذلك حياتي. ولكن الآن بعدما فقدت أمي، ليس لدي سجل يومي للحياة التي عشتها كل يوم، وأدرك أن أيامي تمُر سريعاً جداً» تقول. الرواية التي صدرت للتو باللغتين الإسبانية والانكليزية، وستصدر قريباً نسختها العربية عن «دار الآداب» البيروتية، أرشيف كامل لتاريخ من الاوبئة والخسارات والنجاحات، واليأس. هكذا أتاحت العزلة القسرية التي فرضها الوباء أن تتأمل صاحبة «صورة عتيقة» تحوّلات قرنٍ كامل بالإتكاء على سيرة الام التي شهدت حربين عالميتين، وديكتاتوريات متعاقبة، وترحالاً بين أمكنة مختلفة. ستحيل الفترة التي وثقتها الرواية إلى عنوان عمل ماركيز «مئة عام من العزلة»، لكن بلدة «ماكاندو» ستمتد على مساحة قارة كاملة لطالما جذبت روائيي أميركا اللاتينية إلى عجائبيتها السردية وواقعيتها السحرية، بفارق أن إيزابيل الليندي تعتني بثيمة العاطفة المتأججة حيال شخصياتها المتخيّلة، تلك الشخصيات المريضة بالحنين إلى الأزمنة السعيدة، وهي في «فيوليتا» تجد في فترة الوباء فرصة لإعادة توضيب حياة أمها، المرأة الاستثنائية التي تحدّت ظروفها ببسالة، بالتناوب مع وقائع قرن كامل، من دون أن تحدّد بلاداً بعينها. وكانت الروائية التشيلية التي تعيش في سان فرانسيسكو، قد أنجزت في العامين المنصرمين كتاباً نسوياً بعنوان «روح امرأة» تدعو فيه إلى استبدال النظام الأبوي تدريجاً: «إذا كنت تابعاً، فإن شخصاً آخر سيكون من حقه توجيه الأوامر» تقول، بالإضافة إلى رواية عن حياة المهجّرين، خصوصاً أنها عاشت بين أكثر من منفى في الفترة المبكّرة من حياتها، من المتوقع أن تصدر مطلع العام المقبل.