لم يكن مرور بوريس بيريزوفسكي وتلميذته كارينا تير ــ غازاريان (14 سنة ــ الصورة) على «مهرجان البستان» عادياً، في اليومين الماضيين. بالمستوى والجمال والروح الطيّبة والعفوية، زيّنا هذه الدورة. لا يمكن نقل الصورة (والصوت) لمن لم يكن شاهداً. برنامجان مختلفان ومنوّعان، قدّمهما بيريزوفسكي وأضاف أعمالاً من خارج ما كان مقرراً، عدا تعديل اللحظة الأخيرة الذي طال الليلتَين. بدل السوناتة السادسة لسكريابين في الليلة الأولى، لعب العملاق الروسي الرابعة، إلى جانب الخامسة التي كانت ضمن المعلَن عنه. وبدل السوناتة رقم 12 لبيتهوفن في الليلة الثانية، عزف الرجل السوناتتَين الأولى والثانية من برنامجٍ تضمّن أيضاً السوناتة السابعة لسكريابين، كما استعاض عن باقة من أعمال شوبرت برائعة غرشوين «رابسودي إن بلو»، جسر العبور بين الكلاسيك وموسيقى السود. هنا يمكن الحديث عن أنّ نواة الأمسيتَين قامت على بيتهوفن وسكريابين، بالنسبة إلى بيريزوفسكي، وعلى المجري لِيسْت والبولوني شوبان بالنسبة إلى تلميذته الموهوبة، التي أدّت عملَين ضخمَين (بالحجم والصعوبة) للأوّل، وأضافت عملَين من فئة الـ «نوكتورن» للثاني. أداء الفتاة الجدّية أتى مذهلاً نسبةً إلى عمرها، رغم بعض الهفوات المبرّرة حالياً (بالأخص لناحية استخدام دوّاسات البيانو). أما أستاذها، الذي تفاعل مع الجمهور ممهّداً للمقطوعات بكلام بين الجدّ والفكاهة المرطِّبة للأجواء، فقد أبدع بما يفوق الوصف في سكريابين وغرشوين. في حين تفاوت أداؤه لبيتهوفن بين الجيد جداً في السوناتة رقم 11 (الأربعاء الماضي) وكذلك في السوناتة رقم 1 (أوّل من أمس)، والإبداع الكلّي في السوناتة رقم 2 (أوّل من أمس أيضاً). أما من خارج البرنامج، فقد أضاف بعضاً من شغفه بالجاز وبياتزولاّ (في الحفلة الأولى) وثلاث قطع قصيرة للنروجي غريغ (في الثانية)، كانت أشبه بقنابل على مستوى الأداء.بعد الإنهاك الذي تعرّض له بيانو الـ «شتاينواي» التابع للمهرجان (وهي، برأينا، الأحسن من بين الآلات الموجودة في لبنان من هذه الماركة) على يد الثنائي الروسي، يعود «البستان» مساء غدٍ الأحد إلى نشاطه مع ثلاث أمسيات متّصلة. غداً، يلتقي عازف الكمان الفرنسي رونو كابوسون بمواطنه عازف البيانو غييّوم بولوم، لأداء مقطوعات شديدة التنوّع (شهيرة وسهلة المقاربة بغالبيّتها)، تغطّي ربع ألفية من الموسيقى الغربية (بين مطلع القرن الثامن عشر ومنتصف القرن العشرين). الأعمال تجمع الكمان والبيانو (بعضها مُعَدّ من أشكال أخرى) وبعضها ينفرِد بها الأخير. من دون استراحة، يعود الثنائي الفرنسي لتقديم أمسية ثانية مساء الإثنين، مختلفة برنامجاً وتركيبة، بعد انضمام عازف التشيلّو فيكتور جوليان ــ لافريير لأداء عملَين من فئة التريو من توقيع الروسيَّين تشايكوفسكي (التريو الوحيد) ورخمانينوف (التريو رقم 1). العملان يُعتبران من الأعلى في هذه الفئة، والمشترك بينهما هو الحزن العميق: تريو تشايكوفسكي هو رثاءٌ للمؤلف الروسي نيقولاي روبنشتاين، وتريو رخمانينوف هو صدى هذا الرثاء.
يسافر الكمان والبيانو، ويبقى التشيلّو لينفرد في برنامجه مساء الأربعاء (قصر سرسق)، ويؤدي أعمالاً من مشارب مختلفة، بين الألماني الروحاني باخ (المتتالية رقم 5) ومواطنه الشيوعي الماركسي هانز فيرنر هنزه (سيريناد) وآخِر الكبار في بريطانيا بنجامين بريتن (المتتالية رقم 3). كذلك، يؤدي لافريير عملَين لعازفَي تشيلّو كبار ممّن لهم محاولات في التأليف، ونقصد بابلو كازالس (مقطوعته الشهيرة «نشيد/ أغنية الطيور» التي زاوج فيها الأمل والألم) وكاسبار كاسّادو (متتالية). باختصار، البرنامج سيعرّف الجمهور على التشيلّو — عارياً ووحيداً — بكل إمكاناته التقنية والتعبيرية… بتوقيع عازف من الكبار في العالم اليوم.

* غداً الأحد وبعد غدٍ الإثنين ـــ «فندق البستان» (بيت مري)/ والأربعاء 9 آذار (مارس) الحالي في «قصر سرسق» (الأشرفية ــ بيروت) ــ الساعة الثامنة مساءً ــ للاستعلام: albustanfestival.com