في كتابها المعنون «الراديكالية الكونية: السياسات البصرية لبيروت العالمية في الستينيات» الصادر بالإنكليزية (منشورات «جامعة كامبردج»)، ترافق زينة معاصري، تقاطع السياسات البصريّة والفنيّة والتصميمية في إطار التشكّلات العالمية لما بعد تاريخانية الأوضاع اللاحقة على المرحلة الكولونيالية، متّخذةً من بيروت الستينيات مثالاً ساطعاً في دورها اليومي المعاصر الآخذ آنذاك بالنهوض بالطباعة. تُشير الباحثة اللبنانية، المحاضِرة في «جامعة برايتون» الإنكليزية إلى دور هذه المدينة في دعوة أهلها إلى الانخراط في الشأن الاجتماعي عبر قنوات الإعلام المطبوعة، سواء كانت وسائل وظيفية عامة أم محض جمالية، من ملصقات ونشرات وبيانات وبطاقات، إلى دوريات وكتب. وعليه فإنّ كتاب معاصري يتوجّه إلى المادة المطبوعة، على أنها شكل ثقافي مميّز، قنطرة وصل بين الثقافة البصرية والثقافة الحسّية، كما تحدّدها الصورة المطبوعة عبر انتشارها. أي أنّ دراسة معاصري معنية أساساً بالتصميم على أنه ممارسة خلّاقة كما بالخطاب الجمالي المعني، إضافة إلى علاقة الفكر التي تنسج القرابة بين الفنّانين البصريّين والجمهور، قارئاً كان أم مشاهداً. في حوالى 300 صفحة من القطع الكبير مع رسوم ولوحات، أبيض وأسود، وملوّنة، تعمد معاصري إلى دراسة اتجاه سهم الحداثة في بيروت، بنبشها أرشيفات طواها الزمن، وإن بقيت شاهدة على أصالة هذه المدينة في رفدها الحداثة العربية. تلتفت بداية إلى فنّانين مدرّبين أكاديمياً نشطوا في تصميم المواد المطبوعة، أمثال ضياء العزاوي، ومنى باسيلي صحناوي، وكمال بلاطة، ومحيي الدين اللباد، ووضّاح فارس، وبرهان كركوتلي واسماعيل شمّوط، وحلمي التوني، معتمدة على أرشيف «دار الفرات للنشر والتوزيع» بعناية عبّودي أبو جودي.
تركيز على حقبتين: صيف 1958 زمن الحرب الأهلية الأولى، وربيع 1975


تعلن معاصري منذ البدء أن تركيزها ينصبّ على بيروت بين برهتين تاريخيّتين: صيف 1958 زمن الحرب الأهلية الأولى عقب حرب السويس، وربيع 1975 وما تلاه أي زمن الحرب الأهلية الثانية، عقب حرب 1967 ونشأة الكفاح المسلح الفلسطيني، متخذاً من بيروت قاعدة أساسية له. إلا أنها ترى في الوقت نفسه أنه لم يدوَّن إلا النذر القليل عن المشهد الثقافي خلال الصراع السياسي. هي سنوات بيروت الذهبية التي ترصد معاصري حركتها الثقافية... الستينيات الحافلة بالرخاء الفكري والازدهار الثقافي، مهرجان الموسيقى والغناء في بعلبك، ومجلّات «شعر» و«الآداب» و«الأديب» و«حوار»، إلى سلسلة «النفائس» و«دار الفتى العربي». هي بيروت نقطة ارتكاز وصلة وصل؛ من باريس الشرق إلى هانوي العرب. مرجعية زينة معاصرة تراث هائل من الأرشفة والفهرسة والتقميش والغربلة. ومن هنا، يشكّل كتابها مرجعاً أساسياً عن مرحلة غربت، وإن صمدت ذاكرة وكتاباً لا غنى عنه لكل باحث في تاريخ بيروت الثقافي المعاصر.
رؤية معاصري صائبة في أنّ بصرية المادة المطبوعة تلقي ضوءاً على التصميم الغرافي على أنه مشهد جلي للنضال السياسي اليومي، مشتبكاً مع العلاقات الجمالية.
أفلحت معاصري في رصد ثقافة بيروت البصرية، مرفقة بشواهد وصُوَر وملصقات تؤرّخ بيروت الناهضة على الدوام.
(*) Zeina Maasri. Cosmopolitan Radicalism: The Visual Politics of Beirut’s Global Sixties.
Cambridge University Press.