ماذا لو كان المكان الذي نعيش فيه الآن مختلف كلياً عن ذاك الذي نريد في قرارة أنفسنا أن نكون فيه؟ ماذا لو كانت الأشياء التي نتوق إليها موجودة في مكان آخر؟ في ماضٍ نتخيله، وكل ما لدينا الآن هو ذاكرة المكان؟ قد نتخيّل فقط لمحات عن المكان، انطباعات عنه: علامة، رائحة، ابتسامة، تعبير، فعل، حدث أو كلمة. تتضافر هذه العناصر في ذاكرتنا، نشعر بطريقة عجائبية أنّنا بتنا بين جدران بلدنا، بينما في الحقيقة نحن عالقون في مكان لا ننتمي إليه. هي مشكلة المنفى، التشرّد، البُعد والغربة... لذلك، عادت المخرجة الأردنية الفلسطينية ميس دروزة للمرة الأولى إلى وطنها الأم فلسطين، لتخلق واقعاً مغايراً وتقابل حبيباً لم تلتق به أبداً. في وثائقي «حبيبي بيستناني عند البحر» (2013 ـــــ 1:20 دقيقة) المعروض على منصة «أفلامنا» في ذكرى النكبة، تنسج دروزة الواقع والخيال وتلتقي بحسن (حسن حوراني، كاتب «حسن في كل مكان»/ كتاب للأطفال من رسوم توضيحية ونصوص شعرية) الذي تجده في انتظارها على الرغم من أنّه غرق في بحر يافا، محاولاً إنقاذ ابن أخيه عام 2003. تسأل: كيف تعود إلى مكان موجود فقط في ذاكرتك؟ كيف تستمر في الحياة وأنت محاط بكل هذا الموت؟ كيف يمكنك امتلاك الحقيقة بينما سلبك التاريخ إياها؟
صور المناظر الطبيعة المرسومة باليد تخلق الأفق وتتوسع خارج الإطار

اكتشفت دروزة عالم حسن ورسوماته وقصائده. أرادت الذهاب وأخذتنا معها إليه، عالم خارج الزمان والمكان، عالم الحرية. ذهبت إلى فلسطين لتُسمع صوتها وأسرارها، وتكتشف أحلام هذا المكان. ذهبت وأرتنا الشعب الفلسطيني الذي يخلق واقعاً بديلاً. بعضهم يعيش في فقاعة ملاذ آمن، وآخرون يصنعون الخيال والفن، وآخرون يحاربون الظلم بالحفاظ على الأحلام حية، المكان الذي لا يمكن للاحتلال الإسرائيلي الوصول إليه. من خلال صور المناظر الطبيعة المرسومة باليد التي تخلق الأفق والطريق وتتوسع خارج الإطار، ومشاهد المدينة والريف الفلسطيني والبحر، وصور التلال فوق السحب المنخفضة، المترافقة كلها مع موسيقى اللبنانية سينتيا زافين، تغرز دروزة جذورها في فلسطين، لتؤكد ارتباطنا وارتباطها بهذا المكان، وتكشف لنا أن العودة حتمية وأن الخيال والأحلام ما هي إلا واقع سيأتي في المستقبل.

«حبيبي بيستناني عند البحر» حتى بعد غدٍ الأربعاء على «أفلامنا» ـــــwww.aflamuna.online