الخبز هو الخيط الرفيع الذي نقبض من خلاله على حكاية الخال ميلاد
الخبز هو الخيط الرفيع الذي نقبض من خلاله على حكاية الخال ميلاد. ومن هنا، نقبض على الرواية، ليقدم النعاس للقارئ نصاً جريئاً مبيناً يضع مشاكل المجتمع الليبي على طاولة النقاش، متوقفاً عند «الخيانة»، وعلاقة الإخوة، والنظرة الدونية للمرأة، وقصة الرجل الذي يحاول أن يكون هو من دون أن يستمع لصوت الجماعة. يحقق ذاته وفقاً لآرائه الخاصة، لكنه يفاجأ بالصوت القادم من المجتمع، يعيده إليه بصورة أسوأ من تلك التي كان عليها، إذ نقرأ من خلال هذه الدوامة التي كان ميلاد يعيشها، وقد وأجاد النعّاس توصيفها روائياً، نظرة المجتمع إلى المرأة وعلاقة الرجل بها، وكيف يمكن أن يصير الاختلاف جريمةً في عِرفه. عيب ميلاد أنه تلاعب بمقياس الرجولة. لذا كان لزاماً أن ينقاد لصوت الضمير الجمعي ويحقّق «شروط الرجولة» من منظور المجتمع.
هكذا نعرف أن ميلاد لم يكن شخصية خاضعة للمجتمع، أو شبيهة بالآخرين، أو ضعيفة لأنها استسلمت في النهاية لما يريدونه منها، لا ما تريده هي. شخصيّة ميلاد كانت مختلفة، جرّبت بكل السبل أن تكون محبة وأن تتعامل مع كل شيء بطراوة، حاولت مراراً أن تكون هي، وقد قطعت شوطاً كبيراً في إثبات ذلك بجدارة، قبل أن نصل إلى النهاية المأسوية: قتل زينب بكل وعي وإدراك، وهو الذي كان مجرد التفكير في الانفصال عنها يدعوه للانتحار. لعلّ الكاتب أراد بهذا الفعل أن يحيلنا إلى الأفكار الجاهزة والأحكام التي نقتل بها الآخرين، فهي ليست وليدة لحظة بعينها، بل تأتي نتيجة تراكمات، تجعل رؤيتنا للأمور تتغير شيئاً فشيئاً، لنصبح كلنا من دون أن ندري الخال ميلاد.
الخال ميلاد ليس شخصية روائية غريبة عنا. هو كل شخص أهمل صوته الخاص، ليفسح في المجال أمام صوت الآخر يسيّره كيفما شاء. وهكذا، فإنّ الرواية تسائل مسألة الجندر الدارجة هذه الأيام، لكن النعاس يمتلك حرفة الكتابة، والكلمة التي تبدو كـ «رمز وبهجة. يصبح «الشيء» هو «الكلمة»، ثم يعود شيئاً من جديد، لكنه منسوج ومحرف على نمط وهمي غريب على حد تعبير جون شتاينبك.
القائمة القصيرة
محمد النعّاس الذي يُعدّ أول كاتب ليبي ينال «بوكر»، تنافست روايته مع خمس أخريات هي: «ماكيت القاهرة» لطارق إمام (مصر)، و«دلشاد» لبشرى خلفان (عُمان)، و«يوميات روز» لريم الكمالي (الإمارات)، و«الخط الأبيض من الليل» لخالد النصرالله (الكويت)، و«أسير البرتغاليين» لمحسن الوكيلي (المغرب). وحصل كل من هؤلاء المرشحين الستة على 10 آلاف دولار، كما حصل النعّاس على 50 ألف دولار، إلى جانب ترجمة روايته إلى اللغة الإنكليزية.