يقول محمد الماغوط (1934 ـــــ 2006) في وصف الخوف: «ضع قدمكَ الحجريةَ على قلبي يا سيدي، الجريمةُ تضرب باب القفص، والخوفُ يصدحُ كالكروان، ها هي عربةُ الطاغية تدفعها الرياح، وها نحن نتقدم كالسيف الذي يخترقُ الجمجمة، يا أيها الجرادُ المتناسلُ على رخام الكنيسة....». لعلّ الشاعر السوري الراحل كان يحاكي ما ابتغاه تماماً أنطون تشيخوف (1860/1904) عندما كتب قصّة «موت موظّف» بـ 670 كلمة ممضية باسم مستعار، نشرها سنة 1883 أي عندما كان في عامه الثالث والعشرين، على صفحات إحدى المجلّات المغمورة، ولم يكن يعرف بأنها ستصبح واحدة من أيقوناته وذرائع الدلالة عليه كواحد من أهم الكتّاب حول العالم، وسيعاد تدوير حكايته تلك مئات المرّات في عدد كبير من البلاد! إنّها اختصار مكثّف لفكرة الخوف المحدّق بالمواطن المسحوق في كلّ تفاصيل حياته الممسوسة بالهلع! الحكاية لبنة متماسكة، ومدماك تأسيسي نموذجي للحياة في دمشق الآن وقبل سنوات! حياة عنوانها العريض الخوف من كلّ شيء. من الماضي الغارق بالدم، والحاضر المسيّج بالضباب الأسود، والمستقبل المنسوج على نول المجهول، والخواء المطلق، الفراغ الكئيب، والغياب الواضح لكل أشكال الأمان! والخوف الخوف من كلّ شيء: من النقاط الحدودية، والحواجز الأمنية و«التفييش» والجوع والعوز والفقر والذل! بلاد ينهشها الخوف ويتفنن بالرقص على جثّتها كلّ الذي تشدّقوا بحمايتها وأوّلهم تجّار الحرب ومحدثو النعمة ومصاصو الدماء. عن كلّ ذلك متمثلاً بذروة تشيخوف الواقعة عند الخوف من المسؤول والمتنفّذ، أعد لؤي شانا عرضاً مسرحياً من إخراجه وقدّمه على «مسرح الحمراء» في دمشق! المسرح تحول بمساعي وزارة الثقافة وجيلها الجديد إلى متحف للغبار، مستودعاته فارغة، وطاقته موغلة في السلبية، خلاف ما يجب أن يكون عليه المسرح! كلّ ذلك لم يخفّف من حماس المخرج المسرحي القادم من اللاذقية تجاه التجربة التي تحكي ببساطة شديدة، وبلغة دلالية تجرّب الاقتراب من الكوميديا السوداء حالة المواطن المقهور والهزيمة النكراء التي تلاحقه بعنوان عريض اسمه الخوف، حتى من أن يصوغ بديهيات حياته. هكذا، سيخاف أن يعطس أو يسعل، خصوصاً إذا كان في وجه مسؤول كبير! غالباً لا يعمل الممثلون في المسرح إلا من أجل تجديد طاقاتهم وجوهرة أدواتهم وإعادة تأهيل أنفسهم على مستوى اللياقة والحالة البدنية والأدائية، لكنّ كل ذلك سيصبح غير متاح عندما يكون شكل المسرح وحالته المهترئة يبعثان على الكآبة والتعاسة ليس للزائرين فقط بل للعاملين فيه!المحاولة في المسرح تستحق الاحتفاء حتى ولو كانت متواضعة لأنها مجانية، وتحتاج من يصرف عليها بعضاً من أمواله التي يحصلّها من التلفزيون، بالإضافة إلى أن هذا الفنّ بحد ذاته صار مهدداً بالأفول إلى أقل المستويات الممكنة منذ تأسيسه!
مجموعة من الممثلين هم: علي القاسم، باسل حيدر، ماجد عيسى، لميس محمد، نجاة محمد، محمد سالم. يشاركهم: أحمد العبود، أليسار صقور، براء سمكري، خالد القصير، زين العابدين شعبان، زينب عيد، صلاح الطوبجي، عماد يوسف، مصطفى خطيب، مرح اسماعيل، ملاك خطيب، نور كباريتي... هؤلاء ما زالوا مؤمنين بضرورة الشغل الجاد، وقد تمكّنوا من تقديم وجبة كوميدية خفيفة أحالت فضاء الخشبة إلى تعددات مختلفة، مرّة كصالة سينما وأخرى كبيت الموظفّ المسكين، وثالثة إلى غرفة انتظار في مكتب المسؤول. بضع قطع ديكور بسيطة وسينوغرافيا غنية مترفة بالتفاصيل، والمرونة والقادرة على التغيير بدلالات واحتمالات مختلفة ومفتوحة على تأويل المشاهد!

«موت موظّف»: يومياً على «مسرح الحمراء» في دمشق- الساعة 7 مساء