«نحتاج للحوار»، عنوان مقال نشره أخيراً مدير عام «دويتشه فيله»، بيتر ليمبورغ، على موقع qantara الإلكتروني التابع للشبكة الألمانية. في المقال المترجم إلى لغات عدّة، عرّج الصحافي الألماني على نزوح الأوكرانيين والسوريين إلى ألمانيا. مقال ليمبورغ الذي رفع شعارات الديموقراطية والحريات الإعلامية في ألمانيا، تغافل عن تهمة «معاداة السامية» التي أُلصقت بصحافيين عرب ولبنانيين مناصرين للقضية الفلسطينية، وعاملين في قناة DW الألمانية الناطقة بالعربية، ما أسفر عن طردهم من الشبكة («الأخبار» 9/12/2021). هكذا، حاول ليمبورغ تلميع صورة المؤسسة التي تتخبّط في ازدواجية المعايير، والسياسة الخبيثة في خلط المصطلحات (خلط «معاداة السامية» ومناهضة إسرائيل) التي أفضت إلى تضييق هامش الحريات في القسم العربي فيها، وإقالة عدد من الموظفين والمستكتبين.تزامن مقال ليمبورغ مع انتشار أخبار عن تعيين مدير جديد لمكتب DW في بيروت، خلفاً لباسل العريضي الذي كان ممن تمّ الاستغناء عنهم بعدما كانت صحيفة «زود دويتشه تسايتونغ» الألمانية (ولاحقاً مواقع وصحف ومجلات ألمانية) قد نشرت في شهر كانون الأوّل (ديسمبر) الماضي تقارير تتهم فيها العريضي وبعض الموظفين في المحطة بـ «معاداة السامية» بسبب مساندتهم للقضية الفلسطينية، انطلاقاً من تغريداتهم ومواقفهم على مواقع التواصل. شملت القائمة يومها كلاً من: داوود إبراهيم، مرهف محمود، مرام مرقة (مرام شحاتيت)، فرح سالم... لاحقاً، وضعت الشبكة خطوطاً حمراً على الضيوف في البرامج السياسية والحوارية، فيما جمّدت تعاقداتها الإعلامية المتبادلة مع قنوات عربية، من بينها «الجديد» اللبنانية و«رؤيا» الأردنية، ما عرّض القسم العربي في DW لمشكلات إدارية أدّت إلى استقالة بعض مدرائه.
منذ ذلك الحين، لم تتوقف الصحافة الألمانية عن نشر تقارير استخباراتية تطال موظفين عرباً في «دويتشه فيله». وقبل أيام، أفرجت «زود دويتشه تسايتونغ» عن مواد تتمحور حول بعض الموظفين في القناة الألمانية وأرشيف عملهم وعلاقاتهم بأشخاص معروفين بمواقفهم المؤيدة للقضية الفلسطينية.
بعد أسابيع على عملية الصرف التي ترافقت مع ضجة إعلامية، وضع الموقع الرسمي لـ «دويتشه فيله» إعلاناً يطلب فيه مديراً لمكتب بيروت، وتضمّن شروط التقدّم للوظيفة على رأسها «أن يعترف الصحافي بحقّ إسرائيل في الوجود، ولا يكون معادياً للسامية»! يعتبر الشرط جديداً على قائمة البيانات التي يجب ملؤها، ولم يسبق أن فُرض على العريضي مثلاً، بل كانت بنود العمل تتماشى مع قانون العمل اللبناني الذي يمنع العمل مع العدو الإسرائيلي. واليوم، يبدو أن المنصب المذكور لن يبقى شاغراً لوقت طويل، وسط كلام عن تعيين الصحافي محمد شريتح مديراً لمكتب DW في العاصمة اللبنانية.
في هذا السياق، تلفت مصادر لنا إلى أنّه بعد تقدّم عدد قليل من الإعلاميين للوظيفة، وقع الخيار على شريتح الذي عمل سابقاً في BBC. وتوضح المعلومات أنّ شريتح بدأ أخيراً مهامه، من دون أي إعلان رسمي، ليبقى السؤال: كيف وقّع الصحافي على عقد يتضمّن اعترافاً بحق «إسرائيل» في الوجود؟ وكيف سيقوم بمهامه الجديدة، وسط إشكاليات حول المعايير التي فرضتها القناة على موظفيها الجدد؟
من جانبه، يؤكد شريتح في اتصال معنا خبر تقدّمه للوظيفة، رافضاً التعليق على نبأ تعيينه: «لا جواب». فهل تم الأمر فعلاً؟ وهل تتريّث المحطة في الإعلان عن الاسم الجديد تخوّفاً من ردّة فعل الإعلام اللبناني على القرار الذي يشكّل انتهاكاً لقانون العمل اللبناني؟
يأتي الكلام عن تعيين شريتح في وقت لا تزال فيه قضية العريضي وزملائه عالقة أمام القضاء، إذ لم يتم التوصل إلى اتفاق يضمن حقوق المصروفين الذين تمّ تبليغهم بالاستغناء عن خدماتهم من خلال تقارير صحافية، من دون شرح من قبل الإدارة.
في المقابل، يشير مطلعون على الملف إلى أنّ DW بدأت أخيراً حملات لتدريب الموظفين والصحافيين لديها في ألمانيا على كيفية العمل والتغطية الصحافية ضمن معايير «معاداة السامية»! تهمة/ شمّاعة لتمويه الانحياز الألماني السياسي والإعلامي المطلق للاحتلال الإسرائيلي.