صناعة الأعواد يدوياً هي حِرفة قديمة تكاد تندثر في لبنان والعالم العربي لصالح المعامل. لكن يبقى هناك بضعة حرفيّين ما زالوا متمسّكين بهذه المهنة الإبداعية والصعبة في آنٍ معاً. ومن هؤلاء صانع العود اللبناني المعروف ألبير منصور. قلّما تجد شخصاً يعشق مهنته ويمارسها بشغف وحبّ كبيرَيْن كهذا الرجل الذي انتقل من عالم ميكانيك السيارات إلى صناعة الأعواد مدفوعاً بعشقه للموسيقى والغناء وحبّه لهذه الآلة بالتحديد. لمنصور علاقة خاصة بالعود الذي «يخلقه». فهو يعامله بحنوّ وحب بالغَيْن ويمضي ساعات طويلة في مشغله في منطقة الباشورة البيروتية لصنع كل جزء منها على حدة، قبل جمعها بشكل نهائي. يقول إنّ قلبه يبدأ بالخفقان سريعاً في كلّ مرّة قبل تجربة العود، ولا يطمئن إلا عندما يحصل على النغمات المميزة التي يبتغيها. يؤدّي منصور عمله بحرفية بالغة ويختار أفضل أنواع خشب الجوز الأفريقي والأميركي لصنع الطاسة وخشب الشّوح لصناعة الصدر بسبب انخفاض نسبة الرطوبة فيهما. يصرّ دائماً على منح صندوق العود شكلاً انسيابياً جميلاً ليحصل على صوت رومانسي عميق ومتوازن، كما يحرص على الاهتمام بأدقّ التفاصيل، بدءاً من صناعة الزند إلى البنجق والفرس، وصولاً إلى حف العود وتهذيبه وإكسابه الملمس واللون المطلوبَيْن ليتحوّل إلى «تحفة فنية ثمينة». ما هو سرّ نجاحه؟ ببساطة شديدة، غرامه العظيم بهذه المهنة! فهو يعتبر أنه إذا لم يُحبّ الصانع حرفته، فهو لن يبرع فيها إطلاقاً ولن يستطيع إيصال إحساسه إلى الناس عبرها. استفاد ألبير منصور من خبرته في عالم الميكانيك لتطوير العود العربي الذي يُعتبر آلة أساسية في التخت الشرقي، إذ استطاع صنع أعواد خفيفة الوزن ولكن متينة في الوقت عينه لتسهيل حملها من قبل العازفين. كذلك، طوّر في شكل الطاسة والريش (أي الأجزاء الخشبية التي تصنع طاسة العود)، مُدخلاً تحديثات على المفاتيح لتصبح سهلة الحلّ والشدّ. أصبح منصور مقصداً لكلّ راغب بتعلّم صنع العود في لبنان والبلاد العربية وحتى الأوروبية. كما أنّه صنع خلال مسيرته الطويلة آلاف الأعواد لكبار الفنانين اللبنانيين والعرب، منهم: شربل روحانا وسحر طه ومارسيل خليفة الذي شجعه على ترك مهنته الأصلية كميكانيكي ليصبح عوّاداً. اليوم، وبعد كل سنوات العطاء في هذا المجال، من الطبيعي أن تفكر «مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية» (AMAR) بتوجيه تحية له، من خلال تنظيم سهرة عود، غداً الثلاثاء، في مقرّ «المعهد الألماني للأبحاث الشرقية» في منطقة زقاق البلاط (بيروت). خلالها، سيعزف أسامة عبد الفتاح على أعواد من صناعة ألبير منصور تكريماً له، ثم يستمع الحضور إلى مجموعة من الأسطوانات النادرة التي تضم مقطوعات عود من مجموعة المؤسسة التي تعود إلى النصف الأول من القرن العشرين. وتختتم السهرة بعرض فيلم بعنوان «ألبير منصور صانع العود» من إخراج فادي يني تورك. علماً بأنّ الشريط وثيقة بصرية يتم من خلالها مرافقة ألبير منصور خلال صناعته لآلة العود منذ البداية حتى دوزنة الأوتار في المرحلة الأخيرة.

* تكريم ألبير منصور: غداً الثلاثاء ــ الساعة السابعة مساءً ــ «المعهد الألماني للأبحاث الشرقية» (زقاق البلاط ــ بيروت)