تعدّ آمال قرامي إحدى أهم الباحثات التونسيات اللواتي لم يكتفين بالتدريس في الجامعة التونسية بل انخرطن في الشأن العام والدفاع عن قضايا الحريات وحقوق الإنسان وحرية المرأة. وترجمت في كتبها اهتمامها بقضية الاختلاف في الثقافة العربية الإسلامية التي تعتبرها القضية المركزية للعقل العربي الإسلامي.تخصّصت قرامي في دراسات الجندر وتشرف منذ سنوات على تأطير مجموعة من الباحثين الذين اختاروا دراسات الجندر، كما غامرت بإصدار مجلة محكمة ثلاثية اللسان بعنوان «عدسات جندرية»، من أجل ملء فراغ كبير في المكتبة العربية على مستوى دراسات الجندر. ومن بين كتبها، نذكر: «قضية الردة في الفكر الإسلامي الحديث»، «حرية المعتقد في الإسلام»، «الإسلام الآسيوي»، «الاختلاف في الثقافة العربية الإسلامية».
وكانت قد بدأت مسيرتها العلمية بدكتوراه الدولة، من خلال أطروحة «ظاهرة الاختلاف في الحضارة العربية الإسلامية: الأسباب والدلالات» (2004).
في حديث مع «الأخبار»، تتحدّث قرامي عن قضايا الجندر والاختلاف ومشروع التحديث في المجتمعات العربية الإسلامية.
عن خوضها مغامرة النشر منذ عام في زمن «تموت فيه الصحافة الورقية والمجلات المتخصصة»، تقول قرامي إنّ هذه التجربة في نظرها «شكل من أشكال المقاومة. ففي سياق معولم سمته التراجع عن الحقوق، وخاصة حقوق النساء بسبب المدّ الشعبويّ الذي اتّسم بالخوف من التعددية والغيرية والاختلاف الديني والإثني والعرقي والثقافي ومناهضة سياسات الإدماج والعيش معاً بعد تدفق المهاجرين والميل نحو التقوقع على الذات والحرص على حماية الهوية، لا سبيل أمامنا إلّا الكتابة والتحليل والفضح وبناء معرفة بديلة تحتفي بالاختلاف والتعددية ولا تهاب الآخر بل تستضيفه وتتحاور معه وتقيم علاقة معه أساسها المواطنة المسؤولة والاحترام المتبادل. وفق هذا الطرح يعدّ مشروعنا شكلا من أشكال الالتزام بمواجهة مشروع مأسسة الجهل».
وتتابع مؤكدةً أنّ «ليس الالتزام بنشر مجلّة تعنى بالدراسات الجندرية/ النوع الاجتماعي إلّا محاولة للتصدّي للمتطفلين/ات على المعرفة الذين يستسهلون الكتابة أو يقبلون بقوانين فرضها الاستكتاب، فينتجون مقالات ضعيفة، بل لا سند معرفي لها ويزعمون أنّهم/ن متخصّصات في الجندر أو النسوية. وعلى هذا الأساس نرى أنّه لا بدّ من نشر معرفة تراعي الشروط العلميّة وتحترم القرّاء، بهذا المعنى نرى أنّ تخصيص مجلّة للدراسات الجندرية هو في حدّ ذاته، وقوف ضدّ تيّار الرداءة الذي أصبح له حضور كبير في جامعتنا».
وعلاوة على ما سبق، تعتبر قرامي أنّ هذا المشروع «يحقّق إضافة نوعيّة على مستوى الكتابة باللغة العربية في هذا المجال، وإضافة أخرى لا تقدّر بثمن على مستوى بناء الشراكة الحقيقية بين مختلف الباحثين/ات والالتزام بدعم هذا المشروع مادياً حتى يصمد رغم كلّ الأزمات التي يمرّ بها قطاع النشر وأعتقد أنّها المرّة الأولى التي نشهد فيها ولادة مشروع علميّ يموّله المؤمنون/ات بأهمّية بناء المعرفة محليّاً وبإمكانات متواضعة وتضحيات دون الالتجاء إلى الدعم الخارجي المرتبط بأجندات تحدّ من استقلالية الباحثين/ات».
وفي ما يتعلّق بمدى رضاها عن ما تحقق وسط فضاء أكاديمي عربي تغلب عليه النزعة الذكورية، ترى نفسها «فاعلة في مجال تأسيس الدراسات الجندرية وشغوفة بهذه النوعية من الدراسات ومتابعة لآخر النقاشات النظرية، الأمر الذي يظهر على مستوى المحاضرات التي أقدّمها خاصّة في الجامعات الغربية والعربية والمؤسسات الفكرية والمنظمات المختلفة التي تشرّفت بالتعامل معها والمجلات العالمية التي انتميت إلى لجان التحكيم فيها. لكنّني لست الوحيدة في هذا المجال. ولا أعتبر أنّه من التجنّي أو المبالغة التصريح بأنّني لست راضية عن واقع تطبيق المقاربة الجندرية، إن كان في الجامعة أو خارجها. فما دمنا لا نخصّص ميزانية مهمّة للعناية بتأهيل المدرسين/ات وتمكينهم/ن من فرص الإطلاع الجديّ على النظريات والنقاشات التي تدور حول المصطلحات والمفاهيم والمناهج والنقد الموجّه إلى الدراسات والمؤلفات الصادرة وغيرها، فإنّ المعرفة المقدّمة والمعروضة للتداول تبقى دون المستوى المأمول مقارنة بما يجري في جامعات غربية أخرى، وجامعات في بلدان أفريقية، كنيجيريا والكاميرون وغيرها من جدل وتجديد ونحت».