تحت عنوان «شذى الماضي يعبق»، تقيم نايفة نصّار معرضها الثاني في «غاليري كاف» متضمّناً 38 لوحة، إحياءً لذكرى جدّها الذي رحل قبل ثماني سنوات. هكذا، تصوّر لنا كرسيّه المصنوع من القش، الذي كان يحمله معه إلى حديقة منزله، والتفاح الذي كان يقطفه لها ولبقية أحفاده من البستان المجاور، والنقوش الهندسيّة التي تملأ أرض وجدران منزله التراثي. مزيج من حنينها إلى الماضي، مترجماً على لوحات من الخشب أو القماش، من خلال عناصر يغمرها ضوء يُشعرك بدفء شعاع الشمس، الذي يرافق دوماً المنازل القرويّة.تروي نايفة، بأنّ فكرة اللوحات، بدأت حين كانت في منزل عائلتها. رأت كرسي جدّها في غرفة الجلوس، يغمره النور، وظلاله الحادّة منعكسة على الأرض. تذكّرت جدّها وهذا الكرسي البسيط أعاد إليها الكثير من الذكريات. بدأت بتصوير كرسي جدّها على لوحاتها، لكنه سرعان ما أنعش مشاهد أخرى مخبأة في ذاكرتها: كيف كان جدّها يحمل كرسيّه متنقلاً بين الغرف، بساتين التفاح التي كان يقطف ثمارها، عيدان الكبريت التي استخدمها لإشعال الحطب. والأهم، لقد أعاد هذا الكرسي إلى نايفة الماضي، فكلّ ذكرى تتميّز برائحة خاصة بها، تعيدنا إلى تفاصيلها.
مشاهد صوّرت بواقعيّة دقيقة، لكنّها تتمتع بعفويّة صادقة. النور الذي يرافق الظلّ في جميع لوحاتها، يشعرنا بدفء الذكريات، ويبرز العنصر الرئيس في اللّوحة التي ترغب بلفت نظر المشاهد إليه. أمّا النقوش الممتدة في خلفية لوحاتها، فلم تعد مجرد خلفيّة مصوّرة على شكل أرضيّة منمقة أو بساطٍ مطرّز، بل أصبحت عنصراً أساسيّاً من عناصر اللّوحة. ومع أنّ هذه النقوش مستخدمة لرسم صورة ممكنة لمنزل جدّها في خيال المتلقّي، إلّا أنّها تذكرنا أيضاً بالمنازل اللّبنانيّة التراثيّة، التي تتميز أرضيتها بالنقوش الهندسيّة، فتعيد لكلّ واحد منّا شذى ماضيه الخاص. ألوانها مشبّعة ومتنوعة، لكنّها وظفت بأسلوب مدروس، لتشعرنا بدفء الذكريات. اختارت الفنانة في بعض المساحات، بطريقة عفويّة، أن تكتفي بطبقة واحدة من اللّون، ما يشعرنا بأنّ اللّوحة غير مكتملة. كلّ هذه العناصر، اجتمعت في لوحاتها، ضمن تأليف مدروس ومريح للبصر، يخدم الفكرة والأحاسيس المراد إيصالهما. رغم أنّها أحياناً، قد قسمت التأليف في لوحاتها إلى قسمين عن غير عمد، إلّا أنّ خطوطها المتنوّعة، وعفويتها، والدقة التي وظفتها في رسم وتلوين النقوش، تجعلنا منشغلين عن هذا الخطأ البسيط الذي يقع فيه الكثير من الفنانين.
38 لوحة، منفذة بالأكريليك، إمّا على القماش أو الخشب، بأحجام متنوّعة باستثناء لوحة واحدة تخللتها كتابة. جملة مكتوبة بطريقة عفويّة: «إليك... طالما أنا على قيد الكتابة»، هنا تعبّر الفنانة الشغوفة بالكتابة، عن التزامها بالحفاظ على ذكرى جدّها، طالما هي على قيد الكتابة، أي على قيد الحياة.
تذكّرنا اللوحات بالمنازل اللبنانيّة التراثيّة، التي تتميز أرضيتها بالنقوش الهندسيّة


لوحة أخرى ملفتة بعنوان «حنين أزرق» (100 سنتم)، تصوّر التفاحة الحمراء الوحيدة، على كرسيّ القش، ضمن فضاء من الأرابيسك الأزرق، الذي يرمز لونه إلى الحنين الصامت، للماضي وذكرياته. من خلال تصوير كرسي جدّها، وتفاحات بستانه وعيدان كبريته، تعطي نايفة هذه العناصر وظيفة جديدة، هي إعادة إحياء الذكرى. وبالحديث معها، تعلّق على ذلك قائلة: «هذه العناصر كلّها، أحاسيس، وروائع، وألوان الماضي، التي ستبقى صامدة في روحي الصامتة».

* «شذى الماضي يعبق»: حتى اليوم ـــ «غاليري كاف» (مار نقولا ــ الأشرفية، بيروت) ــ للاستعلام: 01/334984