إلى الحادي والثلاثين من كانون الأول (ديسمبر) من هذا العام، يستقبل بينالي مدينة ليون الفرنسية زوّاره، ليضمّ أعمال فنانين عرب وعالميين، معتبراً في بيان صادر عنه «أنّ الهشاشة مرتبطة بشكل من أشكال المقاومة التي بدأت ماضياً وهي في صراع مع الحاضر القادر على مواجهة المستقبل. فالهشاشة هي واحدة من أكثر الحقائق انتشاراً في عالمنا المنقسم. وعلى هذا الأساس، يجمع هذا البينالي في دورته السادسة عشرة الأعمال المنجزة على امتداد نحو ألفي عام»، مشيراً إلى أنّ ما أسماه بياناً جماعياً يختزل مناخات الفنانين العالميين واختباراتهم المتنوّعة الطالعة من خاصّياتهم وانفتاحهم على القضايا والتجارب العالمية.
عارف الريس ــ من دون عنوان (1977 ــ 1978 ــ من مجموعة سرادار)

‏من مفارقات هذا البينالي المتّصلة بلبنان على هذا النحو أو ذاك، نشير إلى هذه القصة الواقعية. إذ خصّص البينالي الطبقة الثالثة من صالاته للمناضلة لويز برونيه، ‏مستعيداً قصّتها الخارقة غير المعروفة كثيراً، وهي قصّة شابة ألقيت في السجن لمشاركتها في ثورة «قوارب الشانوت» في ليون عام 1834 قبل أن تخوض رحلة فرار مليئة بالأخطار جاءت بها من ليون إلى مصانع الحرير في جبل لبنان.
‏لبنان الفنون التشكيليّة على أنواعها، حاضر في بينالي ليون هذه السنة من خلال أعمال فنّانين لبنانيين وعرب أقاموا في لبنان، وقدّموا إبداعاتهم في النصف الثاني من القرن العشرين، تحديداً بين أواخر الخمسينيّات ومنتصف السبعينيّات عند مفصل اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، ومن بينهم: شفيق عبود، بول غيراغوسيان، إيتيل عدنان، فريد عواد والأخوة ميشال وألفرد ويوسف بصبوص، أسادور بزديكيان، رفيق شرف، أوغيت كالان، سلوى روضة شقير، منى السعودي، ضياء العزّاوي، جورج دوش، سيمون فتّال، لور غريّب، جان حديديان، جورج حاج موسى، خليل جريج، جمانة الحسيني، دوروثي سلهب، هلن الخال وجوليانا سيرافيم.

رفيق شرف ــ من دون عنوان (زيت على كانفاس ـــ 1971 ـ تصوير مانويلا غيراغوسيان)

هذه الاستعادة لأعمال هؤلاء الفنانين جمعها «بينالي ليون» في المتحف الوطني المعاصر، وتُجسّد تنوّعاً في الأساليب والاتجاهات الفنية التي اعتمدوها وتشكّل امتداداً لتاريخ الفن اللبناني منذ القرن التاسع عشر، إنّما بلمسات جديدة ومقاربات حديثة جداً بلغة لامست حتّى فترة ما بعد الحداثة تجاوزاً، ما جعل فنانّينا في طليعة الفنون التشكيلية العربيّة، رسماً ونحتاً نتيجة احتكاكهم بالحركات الطليعيّة الأجنبية، بل أمسى بعضهم ذا شهرة عالميّة تضاهي شهرة فنانين عالميين وعرضت أعمالهم وحُفظت في كبريات المتاحف، غرباً وشرقاً، وباتت تواقيع هؤلاء ذات قيمة عالية، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر شفيق عبّود وأمين الباشا.
قدّموا إبداعاتهم بين أواخر الخمسينيّات ومنتصف السبعينيّات عند مفصل الحرب الأهلية


هي التفاتة مهمّة من «بينالي ليون» إلى الفنّ اللبنانيّ، تحفظ له موقعاً ومكانة ‏وسط مئتي فنّان من أنحاء العالم، ما يؤكّد أن بيروت شهدت فترة غنيّة من الإبداع المتّصل بحركات الحداثة الفنيّة، ومن التفاعل الذي كان يصل أحياناً إلى درجة التجاوز نحو رؤى وأساليب خاصة لعلها هي التي دفعت بينالي ليون إلى إظهار اهتمامه بهذه المجموعة من روّاد الحداثة التشكيليّة في لبنان وتخصيصهم بمساحة عرض استعاديّ يحيي حضور الفنّ اللبنانيّ ضمن قائمة الفن العالميّ.
كان هذا المعرض المزدوج تحية لبيروت التي كانت عاصمة الثقافة في المشرق العربي، وتحية أعمق إلى بيروت التي تعيش حالات صعبة جداً من تراجع تاريخها وإنجازاتها الماضية. إنّها تحية إلى بيروت التي تعيش مصائرها المجهولة.