عام 1971، قدّم أوبريت «مرق الصيف» في قلعة جبيل، وها هو «وبعد ما مرق كذا صيف» يعود الى جبيل، «المدينة الأولى التي تشبه الحبّ الأوّل، القبلة الأولى والقربانة الأولى». مرسيل خليفة يقدّم في مدينته مساء غد الخميس حفلة تشبه بالنسبة اليه... الوطن.
يعبر خليفة الجسر من العالم الذي جابه الى جبيل، كمن غنّى لهم «يعبرون الجسر في الصبح خفافا». سيغنّيها أيضاً ويعزفها في الأمسية. هو يعود الى جبيل بعد عواصف أبعدته منها، يعود لتفي له مدينته وعودها له بالنبيذ، بالأنخاب الجديدة وأقواس القزح. هو كلّما نظر الى جبيل رأى فيها قوس قزح «أرى قوس القزح، أتخيّله، أتصوّره لو لم يكن موجوداً، أراه بين الغيم» يقول خليفة لـ«الأخبار». جبيل مدينته، يعود اليها وهو يشعر بقلق، القلق عينه الذي يرافقه قبل كلّ حفلة له. يعود أيضاً بكثير من الحنين، فهو كلّما نظر الى بحر جبيل، تذكّر جدّه الصيّاد، تذكّر كم من المسافات قطعها في جبيل سيراً على الأقدام، مسافات تكاد توازي كما يقول تلك التي قطعها عبر العالم.
«في جبيل تعرّفت إلى الوطن» يقول، شارحاً: «تعرّفت إلى الآخر، في جبيل تكوّن عندي لبنان، تعرّفت إلى التاريخ وكيف يكتب عبر العصور». هو يتذكّر كيف كان ينشد في صغره مع زملائه طلاب المدرسة النشيد الوطني اللبناني أمام سرايا جبيل. رغم أصوات النشاز حينها، لا يزال يحفظ صورة هذا المشهد ولحنه. وبعد مرور السنوات، يعود ابن عمشيت الى جبيل، الى منزله الأوّل في «حفلة تشبه الوطن بأطيافها، تجمع الجنوب، بالشمال، بالبقاع، بالساحل، بالجبل». يرفض خليفة التحدّث في السياسة، كما التعليق على «خطأ» عمان حين قدّم أمسية في العاصمة الأردنية ضمن «ملتقى المدافعين عن حرية الإعلام» الذي موّلته ورعته «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» والسفارة الأميركية في العراق (الأخبار 12/6/2014). يقول إنّه يقدّم فنّاً «خارج إطار الإيديولوجيا»، يقدّم «مشروعاً جماليّاً فنّياً». ويضيف: «بعضهم ينسى أننّا نقدّم فنّا وأنّنا لسنا منظّرين في السياسة». مع ذلك، يصرّ على أنّه يساري وسيبقى كذلك. اليسار بالنسبة اليه هو «يسار الكون، يسار العالم، اليسار الذي يتطلّع دوماً الى الأمام». وهو يتطلّع الى الأمام، يرفض مصطلح الاطمئنان لأنّه يعتبره «أبلهاً». لا يريد أن يطمئن الشباب اللبناني، لا يريد أن يقول بأنّ هناك أملاً قريباً، لكنّه في الوقت عينه يقول إنّ أمسيته هي «تحدّ، صرخة ضدّ المدّ الطافح بالقذارة».
فنّياً، ستعزف في الأمسية الاوركسترا الوطنية اللبنانيّة (مديرها المايسترو هاروت فازليان) مع 80 عازفاً، اضافة الى كورال مؤلّف من 60 شخصاً من «جامعة سيدة اللويزة» بقيادة الأب خليل رحمة، وكورال «الجامعة الأنطونيّة» بقيادة الأب توفيق معتوق. يشارك أيضاً كلّ من بشار خليفة (بيانو) ورامي خليفة (Percussion)، فضلاً عن عازف الاكورديون جوليان لابرو، والسوبرانو الالمانيّة Felicitas Fuchs، والفنّانون أميمة الخليل وعبير نعمة والمصري محمّد محسن.
ستكون الأمسية مزيجاً من الأغاني القديمة والجديدة. وستغنّي عبير نعمة «غنّي يا عصافير» (كلمات جوزف حرب). أمّا أميمة الخليل التي رافقت خليفة منذ سنوات، فتقول: «هذا مكاني، هذا المكان الذي أنتمي اليه»، وتضيف: «الجديد بالنسبة اليّ في هذه الحفلة هو الغناء مع الأوركسترا الوطنية اللبنانية، وسيكون اللقاء خلاصة لتجربة سنوات طويلة تكوّنت عبر العالم». وتهدي الخليل مشاركتها الى كلّ من يتعذّب عبر العالم، الى الذين تشرّدوا وجاعوا وتألّموا.
المايسترو هاروت فازليان اعترف أمام خليفة «ما بعرف أيّ أغنية بالحفلة عم حبّها أكتر من التانية». بالنسبة اليه، فـ«الموسيقى الحقيقيّة يفهمها الجميع». أما رأي الفنان المصري محمد محسن، فلا يختلف كثيراً عن زملائه، سيعطي احساسه بشكل صادق في الحفلة، وسيقدّم أغنيات لمرسيل خليفة تربّى على سماعها. بدوره، سيقدّم جوليان لابرو مقطوعة تانغو لخليفة بعنوان «تانغو لعيون حبيبتي». هو تانغو غير تقليديّ، بطعم الثورة الموسيقيّة، تانغو سيعزفه كما قال «بنوتات تلامس الروح».
أمّا السوبرانو Felicitas Fuchs فهي تعيش الرابط بين الموسيقى الشرقيّة والغربيّة، تغوص في الاحساس، على أمل أن تتاح لها الفرصة بنقل هذا المزيج الى الجمهور في المانيا.
انتاج الحفلة سيكون مشتركاً بينه وبين لجنة «مهرجانات بيبلوس الدوليّة». «سنسكت مراراً لنستمع الى الجمهور يغنّي لنا في الحفلة» يقول خليفة. وإذا كانت أغنية «تصبحون على وطن» ستغيب لأنّ البرنامج أصبح مكتظّاً بالأغاني، الا أنّ خليفة يقول: «سنصبح على وطن الحبّ والجمال والفرح رغم كلّ ما يحدث لبلدنا».



حفلة مرسيل خليفة: 21:30 مساء غد الخميس ــ «مهرجانات بيبلوس» ـ للاستعلام: 09/542020