بعد انقطاع السنوات الثلاث الأخيرة عن النشاط الحضوري بسبب الأَوضاع الأَمنية والصحية، عاد «مركز التراث اللبناني» في «الجامعة اللبنانية الأميركية» إلى نشاطه الدَوري منظّماً ندوةً بالفرنسية توازياً مع احتفالات «المهرجان الدولي والفرنكوفوني للكتاب ــ بيروت كتُب 2022»، خصّصها للشاعر اللبناني الفرنكوفوني شارل قرم (1894-1963). افتتح الندوة رئيس الجامعة، ميشال معوّض، بكلمةٍ جاء فيها: «... مع أنّ جامعتنا لبنانية أميركية تعتمد الإِنكليزية، لم يكن ممكناً أن تغيب عن مهرجان «بيروت كتب». وهي ــ إِضافةً إِلى نشاط مركز التراث اللبناني فيها ــ تواصل رسالتها الموسّعة بأن الجامعة لا تنحصر في محاضرات وأَبحاث بل تنفتح على أُفق ثقافي واسع، فتقدّم لطالباتها وطلّابها تراثاً غنيّاً متنوّعاً يكون لهم مناراً يَهدي خطاهم إِلى مستقبل مثْمر في مجتمعهم، فيُسهمون في معالجة أَحواله نحو الأَفضل. ويكون هذا دورهم بعد التخرج، فاللبناني ليس من يحمل جوازاً أو بطاقة لبنانية بل مَن يحمل كنوز إِرث من الجدود». واستشهد معوَّض بمقطع من محاضرة شارل قرم على منبر «الندوة اللبنانية» في 7 حزيران (يونيو) 1949 لمناسبة انعقاد الجمعية العمومية الثالثة لليونسكو في بيروت: «في زاوية دهرية من الشرق الأَدنى، بلد مبدع صغير كان خلال حقبات مختلفة من تاريخه بطلاً إِنسانياً حقيقياً. هذا البلد هو لبنان».
بعدها، كانت كلمة مدير «مركز التراث اللبناني»، الشاعر هنري زغيب، استهلّها بمقطع من خطاب شارل قرم خلال مؤتمر الإِنسانية في موناكو 1935، جاء فيه: «اللبنانيون، منذ الزمن السحيق، خلَقوا حضارة ليبرالية منفتحة، حافظوا عليها ودافعوا عنها وثبّتوها ذات اتجاهات كونية أخذتها عنهم شعوب كثيرة وتبنَتها». هكذا، كانت رسالة شارل قرم: أن يبرز آفاق لبنان العبقرية وإِشعاعها على بلدان العالم وشعوبها». وأضاف زغيب: «لبنان قويّ برغم صلبه المتكرر، صامد برغم جلجلاته المتتالية، خالد برغم المحاولات الشيطانية لتذويبه. وها هو، منذ مجاهل التاريخ حتى عصر النهضة، باقٍ أبداً حاجة إِنسانية وإِبداعية تشعُّ من قممه على «الجبل الملهَم» كما غنَّى أَرزَه شارل قرم».
أما المحامي والكاتب ألكسندر نجّار، فجال على «شارل قرم رائد الفرنكوفونيا في لبنان»، مركّزاً على أنها «ليست إِرث الانتداب لأن الفرنسية كانت رائجة قبْله في لبنان. من هنا أن الرئيس شارل حلو أسهم في تأسيس «منظمة الفرنكوفونيا الدولية»، وأن «لوريان لوجور» ما زالت تصدر، وأنّ في لبنان وخارجه كتَاباً بالفرنسية (جورج شحادة، صلاح ستيتيه، أَمين معلوف، ناديا تويني، فينوس خوري غاتا، ...). والفرنكوفونيا اللبنانية بدأت منذ قرن كامل مع خليل غانم وخيرالله خيرالله وشكري غانم ومسرحيته «عنتر» (1910)، ثم كان شارل قرم بمطبوعته «المجلة الفينيقية» وتيارها الأَدبي ومؤلفاته التي خلق فيها مناخاً واسعاً للأدب الفرنكوفوني في لبنان حتى بات في حق وإِنصاف رائد هذا الأدب».
ثمّ تحدّث جورج دورليان حول «شارل قرم والبحث عن هوية وطنية»، معتبراً أنّ هذا الشاعر «متميّز في كتاباته وجرأته في التعبير عن مبادئه وقناعاته ورؤياه البانورامية الثقافية والتاريخية لدى أَسلافه في مفهوم اللبنانية. وكل ذلك مغمور لديه بتراث أُسطوري في متخيَّله الغني». ورأى دورليان أنّ «لبنانية شارل قرم حصيلة فكرة ثقافية عن التراث، هي مزيج من الأُسطورة والتاريخ، في مفهوم أيديولوجي عن أمّة لبنانية حديثة وريثة حضارات كبرى شرقية ومتوسطية. فهو كان يحلم بلبنان يكون عنواناً للتاريخ وهمزة وصل بين الشرق والغرب». وبعدما تطرّق دورليان إلى فكرتي القومية العربية والقومية السورية، خلص إِلى أنّ كلتيهما تذوب حزبياً في مجريات الحياة السياسية اليومية، فيما الفكرة اللبنانية تواصل ترسّخها لأنّها ليست حزباً، ولا أيديولوجيا جامدة لها، والمؤمنون بها لا يجمعهم خطاب سياسي موحّد بل تنوّع غنيّ في الانتماء الراسخ إِلى فكرة لبنان».
وتجوّل الحضور قبل الندوة في معرض من محفوظات «مؤسّسة شارل قرم»، ضمّ صوراً له في مناسبات عدة، ومجموعة من مؤلّفاته الكاملة.