الأب المؤسّس لشعر العامية المصري: فؤاد حداد... «المسلم الشيوعي الفقير» اختار حياته ونادى بالحريّة

  • 0
  • ض
  • ض

في كتابه «صورة الشعب بين الشاعر والرئيس... فؤاد حداد» (الكتب خان ــــ القاهرة ـــ 2015)، يعتبر الناقد والأكاديمي سيد ضيف الله أنّ «العمّ فؤاد حدّاد» أو «مولانا» كما يلقّبه المصريون، استطاع إعادة تشكيل هويته الفردية متمرّداً على الخلفية الاجتماعية والعائلية التي جاء منها. هو «المسيحي» الذي اختار الإسلام ديناً لأنّه دين الغالبية الفقيرة، وهو ابن الطبقة البورجوازية خرّيج المدارس الفرنسية، الذي اختار الشعب وقضاياه، والكتابة بالعامية، ليحقّق الريادة في التأسيس لشعر العامية الملحمي في مصر. تعدّدت أعمال صاحب «الحضرة الذكيّة» بين دواوين وأغنيات وبرامج إذاعيّة وأوبريتات. برنامجه الإذاعيّ «من نور الخيال وصُنع الأجيال» الذي كان يبث على «إذاعة الجمهوريّة العربيّة المتّحدة» خلال مرحلة الوحدة العربيّة، كان يقارب تاريخ القاهرة، من خلال قصائده التي كان يغنّيها رفيقه الشيخ سيّد مكاوي وتتحدث في كل حلقة عن حقبة من تاريخ مصر. تشبه حياة فؤاد حداد (1927 – 1985) وأشعاره لوحة البازل الكبيرة اللانهائية. في كل مرة، تكتشف مفارقة جديدة أو إشارة ما أو حتى نبوءة. ولم لا وهو الذي كتب في ليلة رحيله بيته الأخير: «مات اللي كان ناوي يموت ولا يقطع دابر أمل المساكين». في هذه الأيام، يمر 95 عاماً على ميلاد «فيلسوف العامية المصرية»، و27 عاماً على رحيله المتزامنين معاً... هو الذي وُلد في 30 تشرين الأول (أكتوبر) ورحل في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) «كأنه عاش يومين غيّر فيهما وجه الشعر» بتعبير ابنه الشاعر أمين حداد، أو ليحقق نبوءة أخرى في شعره: «حياتي (يومين) وحسّك بينهم النسمة». كل هذا يقودنا إلى النبوءة الأكبر التي صاغها حداد لشعره: «ألفين سنة ويفضل كلامي جميل». يمكن أن يكون الوصف الأدق لحياته أنه استطاع ضبط إيقاع قلبه مع تقلبات القدر والحياة. من حيّ الظاهر في القاهرة انطلقت صرخته الأولى للحياة بعدما قدم والده اللبناني سليم حداد ليعمل مدرساً في كلية التجارة في «جامعة فؤاد الأول» (القاهرة حالياً)، ويحصل على لقب البكوية. كان والد حداد صاحب العضوية رقم واحد في نقابة التجاريين في مصر. لم تكن المدينة الساحرة تعلم أنها استقبلت واحداً من مغرميها ومبدعيها الكبار. من حواري القاهرة وشوارعها، انطلق صوت «مسحراتي العرب». بدأ حداد عام 1944 نشاطه الأدبي تزامناً مع نشاطه السياسي وهو لمّا يزل تلميذاً في المدرسة. كان ينشر قصائده في الدوريات الأدبية والجرائد الحزبية. حتى إنّه كتب أول دواوينه باسم «أفرجوا عن المسجونين السياسيين» وهو الديوان الذي صدر عام 1952 تحت اسم «أحرار وراء القضبان» بعدما اعترضت الرقابة على اسمه الأصلي. يمكننا القول إنّ معظم أشعار صاحب «براءة اختراع الأمل» كانت وليدة المعتقل. فقد اعتقل حداد للمرة الأولى بين عامَي 1953 و 1956، وأُفرج عنه لمدة شهرين فقط عام 1954. لكنه خرج من المعتقل ليكتب كما لم يكتب من قبل. صدر ديوانه الثاني «حنبني السد»، فاعتُقل حداد للمرة الثانية من نيسان (أبريل) 1959 إلى نيسان 1964... خمس سنوات كانت مليئة بالتعذيب والقهر. لكنه كعادته كان يقاوم بالشعر ويكتب كل يوم قصيدة. رغم الأذى والاعتقال، لم يخاصم يوماً شوارع المحروسة: «القاهرة قالت وقولها الحق أشهد بأنك يا ابن آدم جميل»

0 تعليق

التعليقات