تحتلّ اللوحة المساحة الأوسع من معرض «فنّ العيش» (Art of living) القائم في «فوروم دو بيروت» حتى الرابع من كانون الأوّل (ديسمبر) الحالي، رغم أنّ التصوّر العام للمعرض أعدّ لفنّ التصميم. نزور هذا المعرض في المكان الفسيح، فنكتشف أنّ عدداً كبيراً من الفنانين التشكيليين قد ملؤوا جدرانه بلوحات من مختلف الأحجام والتقنيات والاتجاهات الفنية، مع التأكيد أنّ الأعمال ذات المنحى التزيينيّ تغلب الطابع العام، فضلاً عن البيت اللبناني التراثيّ، إنّما كذلك الكثير من الأعمال التجريدية والتكعيبيّة والسورياليّة، وعدد لافت من الفنانين العارضين هم من قدامى «الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة» (ألبا) التقوا في هذا الحيّز المفتوح لأعمالهم مستعيدين الفترات البعيدة من الإعداد الأكاديمي في إحدى أبرز الأكاديميات الفنية في لبنان.ريما أبي غصن نون استدعت القامات الأنثوية في لوحاتها باستلهام غير مقصود من أسلوب بول غيراغوسيان الذي لطالما حمّل الشخوص وقاماتها المتحاذية ذاكرة المجازر الأرمنية. هنا، تنحو ريما إلى واقع الأنثى، منحازةً إلى معاناتها وقضاياها، مخاطبة إيّاها بدلالات اللوحة بكلمات ترافقها مثل «من ضعفك تصنعين قوة ̸ من حنانك تصنعين ثباتاً ̸ من إحساسك تصنعين إرادة ...»، والألوان الداكنة تطغى على لوحاتها متوسطة الحجم بالزيت على الكانفاس. ومن العناوين التي منحتها للوحاتها (بعث، نقاء، المرأة الحازمة...) نستطيع إدراك ميلها التيماتيّ إلى إنصاف المرأة التي تواجه الحياة وقسوتها بحزم وثبات وإرادة.
تلفتنا كذلك لوحة لمريم غبريل التي تردّنا بمناخها ورزانتها التشكيليّة إلى اللوحة الكلاسيكية من الحقب القديمة، وهي لرجل جالس في غرفة معتمة، داكنة الألوان، فنشعر بالمعنى الدراميّ البعيد عن هاجس الإبهار اللونيّ أو التزيينيّ. منحاها دراميّ لا يهجس البتّة بإشاعة البهجة اللونيّة. على عكس لوحات جينا بستاني، مثلاً، التي ترسم «شمس فان غوغ» بتأثّر جليّ، إنّما من دون عمق دراميّ. وننتقل إلى أعمال مجاورة للينا أيدينيان التي تبرع بين رؤى تكعيبيّة وسوريّالية، أي بين أسلوبَي بيكاسو ودالي. ومنها إلى لوحات ريتا دكاش التي تستمتع برسم المنظر الطبيعي والثلج والضباب الذي يغطّي سماء قرية. فلوحتا جوسلين صفير المقسّمتان أجزاء (Split) والمثير في إحداها أنّ وجهاً واحداً وزّع على أجزاء ثلاثة متحاذية. ونعبر أمام أيقونات جميلة، متقنة التنفيذ، لماري شمعون، وأمام وجوه ممحوّة في لوحات لميا مكارم المصنوعة بأكريليك وميكس ميديا (بعضها ينتمي إلى الكولّاج). وإذ تتقن مايا فارس حرفة الرسم المنمنم على البورسلين، تهاجمنا «وحوش» ماريا كيوفتيان (أسد، نمر...) من خلال جداريات ضخمة آسرة الملامح والتفاصيل. ويلجأ شارل قرداحي عبر ألواح مصبوبة بموادّ مختلفة إلى الأساطير الهندية بتقنية فنيّة وملوانة غنيّة. في حين ترسم لينا خليفة «العشاء السريّ» بجداريّة جميلة فيها وجوه المسيح ورسله ممحوّة، فضلاً عن لوحات أخرى لها بأسلوب موديلياني لوجوه أنثويّة. والنساء حاضرات بقوّة وفي أماكن متفرّقة، بعضها معاصر مثل النايت كلوب، في لوحات دنيز بركات. والبيت اللبناني التراثي مرسوم ببراعة ودقّة وألوان مفرحة على يد حسن شمص الذي يريحنا قبل أن نعود إلى فاجعة المرفأ مع جدارية مأساويّة مزدحمة بالتفاصيل لجوزف رحيّم.
معرض غنيّ، متفاوت القيمة الفنية للأعمال المعلّقة في أرجائه، لكنّه يستحقّ الزيارة والاطلاع على تنوّع مواضيعه وأساليبه.

*«فنّ العيش»: لغاية الأحد 4 كانون الأوّل 2023 ــ «فوروم دو بيروت» (شمال بيروت). للاستعلام: 03/627607