تقودنا لوحات ليلى داغر في متاهة الرؤية المشوّشة، غير الموحّدة أسلوباً والمقلّدة بشكل فاقع عوالم الفنان أمين الباشا وملوانته المبدعة. في معرضها القائم في غاليري Art on 56 تحت عنوان «الهروب»، تعتمد داغر أسلوبين يستعين أوّلهما برموز لعادات وتقاليد لبنانية هي من سمات العيش اليوميّ ومفرداته ولوازمه، فيما يميل الأسلوب الآخر إلى التجريد واختزال العناصر والألوان، وهنا التأثّر الواضح بأمين الباشا الذي تنطق أعماله الباقية في ذاكرة الفنّ التشكيليّ اللبناني بمفرداتها وألوانها والناحية الإبداعيّة فيها. لكن هنا، لدى داغر، اقتداءٌ بالأسلوب قد يبلغ حدّ النقل، مثل طلّاب معاهد الفنون الذين ينقلون لوحاتهم عن رسّامين مكرّسين، وفي هذا هوايةٌ لا احتراف، نقلٌ لا خلق أو فرادة!
ليلى داغرـ «سماء صافية» (أكريليك وزيت على كانفاس ـــ 100 × 120 سنتم ـــ 2022)

خليطٌ من شخوص وأماكن ومناظر طبيعيّة وحيوانات أليفة… إلّا أنّ هذا الخليط لا يوصل أفكاراً، بل يقف عند الحدود الشكلانيّة حيث تتصادم وتتدافع الألوان الباردة مع تلك الدافئة، كيفما اتفق، بلا معنى أو هدف سوى التزيين والتكوين الفارغين. وفي بعض اللوحات غرقٌ في الحلم والخيال (المخيّلة التشكيليّة أمر مختلف عن الخيال ومرتبط بالأسلوب والمعنى المفقودين لدى ليلى داغر). ‏ونلحظ بوضوح أن لا رابط البتة بين لوحة وأخرى في هذا المعرض، أي لا ثيمة محدّدة، والعنوان المعطى أُسقط إسقاطاً ولا نجد له أثراً (قد يكون «هروباً» في رأس الرسّامة لم يتجسّد في لوحاتها).
مجّانية تشكيل وتَبَعْثُر في الرؤية، فالمخيّلة إن وُجدت ينبغي أن تتجلّى في اللوحة. ثمة في لوحات داغر ارتجال تأليفيّ، بمواد وتقنيات متعدّدة بين أكريليك وباستيل، متنقلّة بين الإطار المغلق (الأماكن الداخلية) وذاك المفتوح ‏على المنظر الطبيعي أو المدينيّ، فلا نتلمّس الخيط الناظم للعلاقة بين الأمكنة والعناصر والتقنيات المختلفة. كأنّ ليلى داغر خرّيجة «الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة» (ألبا) ما برحت في المرحلة الأكاديميّة ولم تقم بعد بالخطوة المطلوبة نحو الاحتراف والفرادة والأسلوب الشخصيّ الذي يميّز صاحبه ويمنحه هويّة خاصة.

* «الهروب» لليلى داغر: حتّى 10 كانون الأوّل ــــ غاليري Art On 56th (الجميزة، بيروت). للاستعلام: 01/570331