بعد انقطاع دام ثلاث سنوات بداعي جائحة كورونا وتداعيات انفجار الرابع من آب 2020 والأزمة الاقتصادية، أقيمت الدورة 63 في آذار (مارس) الماضي وسط انقسامات سياسية وتنظيمية، وانكفاء الدّور الكبيرة عن المشاركة، وتحريض سياسي صاخب رافق أيام الحدث، وتجلّى في ممارسات استهدفت دُور معينة على خلفية انتمائها السياسي. اليوم، يتجدد الموعد مع «عميد المعارض العربية» وسط استمرار الاستقطاب السياسي والانقسام الذي انعكس في الدورة 64: استبعاد دور نشر معينة على حساب أخرى، مشاركة الدور الفرنسية للمرة الأولى في هذا الموعد، وإشكاليات عديدة تتعلّق بالمساحة الصغيرة التي مُنحت لبعض الناشرين. مع ذلك، يعوّل كثيرون على أن يشكّل هذا الحدث مساحةً للقاء ومركزاً يعيد ربط أوصال هذا الوطن، ليعكس هوية لبنان الثقافية والحضارية المتنوّعة التي لا يمكن لأحد اختزالها رغم كل شيء

اليوم، تنطلق الدورة 64 من «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» عند واجهة بيروت البحرية بعد دورة استثنائية أقيمت في آذار (مارس) الماضي، حيث هددت الخلافات بين «النادي الثقافي العربي» و«نقابة اتحاد الناشرين في لبنان» (المنظِّمين للحدث) بانقسام «عميد المعارض العربية» إلى معرضين. انقسام تنظيمي، أضيفت إليه انقسامات سياسية تجسدت في تحريض وممارسات إقصائية خلال أيام دورة المعرض الماضية من قبل شخصيات وأفراد مارسوا تحريضاً على بعض الناشرين على خلفية انتماءاتهم السياسية. كأنّنا بتلك الدورة عكست الحال التعيسة التي وصل إليها بلد كان في ما مضى حضناً للتيارات الفكرية والثقافية المتنوعة (حدّ التناقض)، التي أسهمت في تشكيل هوية هذه المدينة الأعجوبة وجعلتها منارةً حقيقية للحداثة والحرية. تغيّرت الأزمنة، ودخلنا زمن «الهويات القاتلة» واستحال المعرض مرآة للاستقطاب السياسي الحاصل في البلد. صحيح أنّ الدورة الحالية تُقام على وقع جدل وإشكالات كثيرة تتعلّق باستبعاد دور على حساب أخرى، ومنح الأولوية للدور الفرنسية والخليجية، واستبعاد ناشرين بحجة المساحة الضيقة (راجع مقال الزميلة فاطمة جوني)، إلا أنّ كثيرين يعوّلون على قدرة الثقافة على ربط أوصال الوطن الذي ينوء تحت وقع أزمات سياسية ومعيشية ووجودية.
أسئلة وتحديات كثيرة تقف أمام الدورة الحالية: هل يملك المُواطن «رفاهية» القراءة؟ أي دور ثقافي وفكري بقي لبيروت التي احتلّت الذاكرة الثقافية العربية بصفتها منارة للفكر والثقافة والتنوّع والحرية، قبل أن تغرق اليوم في ظلمتها مادياً ومجازياً؟ وكيف يتعاطى الناشرون مع الواقع الصعب؟ هل تغيّرت سياسات النشر لتوائم الحالة الراهنة؟

حسومات عند «الريس»
تبدأ مديرة «دار الريّس» فاطمة بيضون بالقول إنّ المعوقات والأسئلة الشائكة حول المعرض ما زالت نفسها تُطرح منذ ثلاثين عاماً من قبيل الوضع الاقتصادي والثقافي والانكفاء عن القراءة والاستثمار في طاقات جديدة، أو في الكتّاب المكرّسين والمتوّجين بالجوائز. «المشكلات هي نفسها في قطاع النشر، لكنّ المهم هو الاستمرارية ويفاجئنا الجمهور أحياناً بإيجابيّته، وأكبر دليل هو توافد النّاس على الدورة الأخيرة من المعرض (أقيمت في آذار/ مارس). وتضيف «طبعاً، كانت هناك مشكلات وانقسامات، لكن بمجرّد اتفاق «النادي الثقافي العربي» و«نقابة اتحاد الناشرين في لبنان» على إطلاق المعرض، فهذا يعني أنّ الانقسام انتهى. قد تكون هناك خلافات تقنية حول المساحات المعطاة للدور، لكن هذا لا يعني وجود معسكرين تبعاً لما أعرفه».

حسن المسعود ــ «من دون عنوان» (الأرض تتسع للجميع ـ حبر وصباغ على ورق ـ 74.9 × 55.1 سنتم ـ 2013)

أمّا عن سياسة النشر في لبنان، فتجيب: «كانت الدار تنتج ما يقرب من أربعين كتاباً سنوياً، وحالياً بات العدد لا يتجاوز العشرين، لكننا نحاول تقديم كتاب جديد للقارئ بمضمون جديد، ولكن اللافت أنّه مع كلّ الأزمات التي تعصف بنا في لبنان، ما زال كثيرون مهتمين بالكتاب، ولا سيّما الكتاب الورقي، ويعتبرونه جزءاً من حياتهم، بمعنى أنّه أساسي في الحياة. المشكلة ليست في القرّاء، بل في النشر، وهي على مستويات عدّة، فكلفة الكتاب أعلى بكثير من ذي قبل، وسعر الورق خيالي كأنّنا نعيش في بورصة. لا يمكنني الحصول على سعر واحد من تاجر الورق يكون هو نفسه على مدى أسبوعين. لذا ترتفع كلفة الكتاب وهذا يجعلنا نخفّف من الإصدارات، لكننا نحاول طبعاً التركيز على النوعية والمضمون الأفضل».
تشرح بيضون أنّ كتب الدار القديمة والجديدة مطلوبة بالقدر نفسه، فالقارئ يعرف ماذا يريد أن يقرأ، ويبحث عن القديم أكثر من الجديد أحياناً كثيرة. وعن أسعار الكتب، تقول «من المعروف أنّ أسعار دارنا هي الأرخص مقارنة بباقي الدور، وسعر الدولار ليس كسعر السوق وسنقدّم العديد من الحسومات».

«الآداب» وفيّة لوصيّة سماح
ترى مديرة «دار الآداب» رنا إدريس في المعرض حدثاً جللاً، كونه انقطع عن الساحة الثقافية ثلاث سنوات، و«التئام عقده من جديد مهم جداً وانقطاعه مؤلم وكانت الأسباب وجيهة لهذا، أولّها انفجار المرفأ وقبل ذلك الثورة وجائحة كورونا، والانقسام الذي حصل أخيراً نحن ضدّه تماماً، إذ نعتبر أنّ المعرض هو عامل لجمع كلّ الطوائف والقوى المتناحرة. المفروض أن تكون الثقافة جامعة لا العكس مهما كانت الأسباب. لذا رفضنا المشاركة العام الماضي، وحالياً نشارك للتشديد على الدور الموحَّد للمعرض، لأنّ الكتاب يجمعنا، ويتخطّى كلّ الحساسيات الموجودة في البلد من أجل ما هو أسمى لأمر تعليمي أو تربوي أو فني وثقافي أكثر من الواقع البشع الذي نعيش فيه في بيروت. وتعنينا جداً هذه الدورة لأنّه سيُقام في جناح الدار تكريم كبير للراحل سماح إدريس وهو أحد شركاء الدار. إنّه المعرض الأول في بيروت في غياب سماح. هذا مؤلم وسنعبّر من خلال ما يحصل بأنّ سماح باقٍ معنا، وستقام قراءات عدّة لكتب سماح للأطفال، وسيأتي التلاميذ من المدارس، ولا سيما الرسمية التي كانت محطّ اهتمام سماح للمشاركة، وأيضاً أطفال المخيمات، وسنقرأ لهم كما كان سماح يفعل، وسنستمر في تنفيذ إرادته. وفي الثامن من كانون الأول، ستشهد الدار ندوة حول كتّاب وناشرين رحلوا عنا منهم سماح إدريس والناشر رياض الريّس الذي أعطى النشر اللبناني والعربي ثقلاً مهماً، وكان المعنى الحقيقي لكلمة ناشر. تتضمّن الندوة تكريماً للروائي الرائع جبور الدويهي والدكتور وجيه فانوس. الكاتب والصحافي نصري الصايغ سيتحدّث عن سماح إدريس كونه صديقه وصديق العائلة والدار».
تشدّد إدريس على أهمية هذه الدورة على الصعيد الثقافي والعائلي، و«سنكون يوم الأحد مع ابنتَي سماح سارية وناي اللتين ستوقّعان العدد التكريمي لرحيل سماح من مجلة «الآداب»، والجميع يعرف كم كانت تعنيه هذه المجلة، ونسمّيها «قرّة عينيه»، والعدد ليس رثاء بالمعنى الخفيف للكلمة، بل هو مجموعة مقالات ودراسات تدخل إلى عمق أعماله وشخصيته ونضاله خلال سنوات حياته». وتضيف: «تعنينا هذه الدورة لأنّ لدينا كتّاباً لبنانيين وعرباً نحرص على إصدار روايات لهم. وفي عرس بيروت الثقافي، لدينا زخم من الكتّاب اللبنانيين مع إصدارات جديدة، منهم الياس خوري مع الجزء الثالث من ثلاثية «أولاد الغيتو»، ورواية علوية صبح (افرح يا قلبي)، وحنان الشيخ التي تعود برواية جديدة «عين الطاووس» بعد انقطاع طويل، وروائية ننشر لها للمرة الأولى وهي غادة الخوري «طفلة الرعد». وكالعادة، نحتفي مع الجمهور بواسيني الأعرج الذي يقدّم رواية جديدة عن لبنان بعنوان «عازفة البيكاديلّي»، وتحكي عن انهيار جزء كبير من الثقافة العربية وليس فقط اللبنانية مع انهيار مسرح «البيكاديللي»، ورواية جديدة بعنوان «أعشاب ضارّة» لديما عبد الله كُتبت بالفرنسية وقمنا بترجمتها، وهي تحكي عن علاقتها بوالدها الشاعر الراحل محمد العبدلله ووالدتها الكاتبة هدى بركات، وتمّ الاحتفاء بالنسخة الفرنسية التي نالت جوائز عدّة. وهناك ترجمات جديدة ورواية جديدة للينا هويان الحسن «حاكمة القلعتين». ومن رواياتنا المترجمة المهمة رواية إليف شافاك «جزيرة الأشجار المفقودة»، وإصداران لهاروكي موراكامي وإيزابيل الليندي، وترجمة جديدة لـ «الاستشراق» للراحل إدوارد سعيد، وكان عمل سماح الأخير قبل وفاته. أخيراً بات لدينا «الاستشراق» بترجمة جديدة ومفهومة كما كانت وصيّة إدوارد سعيد».
وتختتم إدريس بالقول «لم تتغيّر سياستنا في إصدار الكتب فما زلنا نركّز على الرواية، ونحب الأصوات الجديدة في هذا العالم، ومستمرون في إصدار «الآداب»، ونأمل الاستمرارية في هذا الموضوع». وعن التسعير، تقول: «هناك الكثير من الحسومات لأنّنا نعي جيداً استحالة شراء الكتب في يومنا، وتمّ تقليل سعر الأجنحة هذا العام، وإلا لما استطعنا المشاركة، سنحاول أن لا نخسر، ويهمنا أن يستمر اللبنانيون في القراءة، ونأمل أن تستعيد بيروت بعض ألقها في هذا المعرض لأنه يفترض أن يكون ضوءاً في هذه الظلمة».

«الفارابي»: نحو تعميم الثقافة
تعوّل «دار الفارابي» بحسب مديرها العام حسن خليل على كلّ إصداراتها التي تتنوّع بين الفكر والفلسفة والأدب والرواية والسياسية، «بالإضافة إلى تثبيت دور الثقافة الجديّة في بناء الإنسان الذي ضيّعته ثقافة الاستهلاك والسطحية». لا يرى خليل أي تغيير في سياسة النشر، فـ «سياساتنا لم تتغير على الرّغم من كلّ الصعوبات التي تواجهنا. الهمّ الأساسي لنا اليوم هو استمرار نشر الوعي بين الناس وتخطي العائق المادي الذي أصبح عائقاً جدياً. بطبيعة الحال، الواقع المادي فرض نفسه بشكل كبير على عملية النشر وتعميمه».
ويرى خليل أهمية في إعادة المعرض إلى دورته وتوقيته «شيئاً جيّداً ومطلوباً، ومن هذه الزاوية نقارب الموضوع. كلّ شيء في البلد مسيّس ومدعاة للانقسام السياسي، وللأسف موضوع المعرض وقع في هذا الالتباس. نؤكّد على ضرورة إقامة المعرض بالرغم من كلّ الصعوبات، وأيضاً نؤكّد على تعميم الثقافة والعمل على تخفيف كلّ المعوقات، وعليه نأمل أن يشكّل المعرض كوّة ضوء نحن بحاجة إليها».

قضية مجتمع
يرى مدير «دار نلسن» سليمان بختي أنّ الدار تعوّل على الإصدارات النوعية «التي تغني أو تضيف إلى المشهد الثقافي. هناك أزمة عميقة في المجتمع، وللمرة الأولى نشعر بأنّ الكتاب اليوم في بيروت هو عنوان مدينة، وهو علامة وجود وعلامة روح. لعلّ السؤال الصعب اليوم هو كيف يبقى شريان الروح متصلاً بشريان المدينة ودور البلد». ويضيف: «من إصداراتنا نذكر كتاب «سيد درويش» لفكتور سحاب والديوان الأخير «قصائد غير منشورة» لخليل حاوي و«أنت والأنملة تداعبان خصورهنّ» للشاعر شوقي أبي شقرا، و«فرح أنطون: قصص ونصوص غير منشورة (1903-1906)» لأحمد أصفهاني، و«الترجمات العربية للكتاب المقدّس وأثرها في حركة النهضة» لأمين ألبرت الريحاني، و«العبور الأخير إلى الشخروب» لنديم نعيمة.
وعن السياسات الحالية في النشر، يرى بختي أنّ السياسات تتغير وتتبدّل تبعاً للظروف «لكن نحن اليوم مع الكتاب. صدور الكتاب اليوم في هذه الظروف يكاد يقول «إيه في أمل». بات الناس اليوم أمام خيارات قاتلة في الحياة. الكتاب ليس قضية كاتب وناشر، إنّه قضية مجتمع. هل يمكن أن نضع سياسة جديدة للنشر في هذه الظروف؟ برأيي كلّ كتاب يصدر اليوم هو خطوة في طريق النور. حاولنا قدر الإمكان خفض التكاليف والتخفيف من عدد النسخ والتعاون مع المؤسسات والثقافية الداعمة كي يصدر الكتاب. ليس هناك أبشع من مخطوطات في جوارير الظلمة». وعن البيت المنقسم على نفسه، يقول بختي: «تظهر عوارضه في كلّ مجال، وعلى الأقل في المعرض كان ممكناً تفادي بعض المشكلات عن طريق زيادة المساحات. لا يعقل أن يكون هناك أكثر من 38 ناشراً أو عارضاً خارج المعرض بسبب أمتار المساحات. إذا كان هذا المعرض هو مهرجان للمدينة، فلا يجب أن يبقى أحد خارج العيد. الكتاب ملك الناس وملك المدينة ونتاج المجتمع». ويختتم بالقول: «ننتظر من المعرض أن يفتح سبل التلاقي من جديد على الكلمة وعلى الكتاب وعلى مفاتيح المعرفة وفتوحات العقل. أن نلتقي على جديد الكتب وجديد الأمل. أنتظر من المعرض أن يمهّد السبيل لهذه المعاني. لا أعرف مَن قال إنّ للعصافير أجنحة وللبشر كتباً. اشتقنا أن نحلّق نحو إنسانيتنا ونحو المعاني وقيم الحق والخير والجمال. وفي النهاية المعرض هو فسحة ونحن نملؤها من الذات وحركة النشر والتأليف».

المخاطرة محسوبة في «النهضة»
ترى المديرة العامة لـ «دار النهضة العربية» نسرين كريدية بأنّ معرض بيروت هذه السنة هو معرض المفاجآت: «ليس لدي أيّ توقعات حالياً، يتزامن المعرض هذا مع الانهيار الاقتصادي، ومع مباريات الفيفا. نتأمّل خيراً وننتظر التعليقات وتداعيات النشاطات». وعلام تعوّل الدار، تجيب كريدية: «المسألة ليست مسألة تعويل. هناك سياسة نشر نعتمدها، وهي التي نعوّل عليها. إصداراتنا لهذا العام متنوعة بين الشعر والرواية والقصة القصيرة والفكر وبعض كتب الأكاديميا. رغم الأزمة، ما زلنا ننشر بالنهج والزخم نفسيهما مع اختلاف في عدد العناوين. أغلب الظن أن المسألة تتعلق بمدى القدرة المادية للزوار وحماسهم لزيارة المعرض». وترى كريدية أنّ الهم الأوّل والأخير اليوم هو إيجاد طريقة لمواكبة السوق اللبناني. «هذا هو الموضوع الوحيد الذي بتنا نأخذه في الاعتبار وأضحى محور اهتمامنا، أن تكون هناك أسعار خاصة للسوق اللبناني كي لا نحرم أيّ شخص من حقه في الحصول على الكتاب».
وتفنّد ما حصل من انقسام في المعرض بالقول: «تاريخياً هناك تعاون يجمع «النادي الثقافي العربي» و«اتحاد الناشرين اللبنانيين» في إقامة وتنسيق المعرض. السنة الماضية كانت استثنائية حين تخوفت النقابة من إقامة المعرض في ظل كورونا والظروف الاقتصادية، وقام النادي بهذه المخاطرة للحفاظ على استمرارية هذه الفعالية التاريخية الراقية. لا يوجد أيّ تعارض طالما أنّ كلّ الجهود ستؤدي إلى الحفاظ على الفعالية وستتكرس في خدمة الثقافة». تعتبر كريدية أنّ إقامة المعرض في ظلّ هذه الظروف اليوم هو مخاطرة. «لكن مخاطرة لا بدّ منها. نأمل خيراً دائماً، لبنان كان ولا يزال رائداً في النشر والثقافة. ومهما كان حال هذا المعرض ونتائجه، سيكون مدعاة فخر لنا كناشرين. نظراً إلى الظروف الراهنة التي أوردناها سابقاً، قد يكون إيجابياً إقامة المعرضين مع بعضهما، منه زيادة عدد الزوار، وإضافة تنوّع إلى زوّار كلا المعرضين».

«الساقي»: فكر وشعر ورواية
تعي مديرة تحرير «دار الساقي» رانية المعلّم الأزمة التي يمر بها البلد وقد أصبح فيها الكتّاب بعيداً عن متناول القرّاء وليس في أولوياتهم المعيشية. وتضيف: «الضرر يقع على الناشر والقارئ معاً وعلى الوضع الثقافي في البلد. لكننا في الوقت نفسه سعداء أن يعود معرض الكتاب هذه السنة بعد انقطاع ثلاث سنوات، وسعداء للقاء من تبقّى من القراء في البلد، ومن سيتمكن من زيارة المعرض وأسفنا لا بل قلوبنا مع القراء الذي لن تسمح لهم ظروفهم بزيارة المعرض». وعن الإصدارات التي يعوّلون عليها، تضيف «لدينا عدد لا بأس به من الإصدارات الجديدة التي سنشارك بها في معرض بيروت». إذ تقدّم الدار ترجمات لكتب فكرية مهمة مثل «فلسفة الفوضى» (سلافوي جيجيك)، و«التفكير الحر» (حنة أرندت)، و«التشكيل الإنساني للإسلام» (محمد أركون)، إلى جانب «دفاتر مهيار الدمشقي» بأجزائه الخمسة لأدونيس، ورواية «الوجه الآخر للظلّ» لرشيد الضعيف، ورواية «قبعة بيتهوفن» لرامي طويل، الترجمة العربية لرواية «زوربا البرازيلي»، جورجي أمادو، رواية «وشائج ماء» للروائي السعودي عبده خال.
وعن احتمال تغيّر سياسة الدار، تجيب المعلّم: «ببساطة، ننشر الكتاب الذي يقدم جديداً للقارئ ويحترم عقله وخياله ولن يندم لشرائه. الأزمة في لبنان لم تؤثر على سياسة النشر ولكن تأثيرها المباشر على توزيع الكتب في لبنان، إذ أصبح السوق المحلي محدوداً جداً نسبة إلى التوزيع في البلدان العربية».
وعن الانقسام الحاصل في المعرض، تشرح: «بصراحة لا يعنينا كثيراً هذا الانقسام، في ظل الهموم التي نعيشها كناشر وفي ظل الأزمة التي يعيشها القرّاء! وبصراحة أكثر، لا نستغرب الانقسام في ظل الانقسامات العديدة التي يعانيها البلد». وتختتم بالقول: «ما نطمح إليه للبلد وللمعرض بعيد المنال حالياً، فلنتعاطَ مع الواقع كما هو، على أمل مراكمة تجارب سياسية وثقافية وإنسانية مهمة قد تسهم مستقبلاً في إعادة بناء البلد. يهمنا أن نلتقي القراء ونتواصل معهم ويهمنا أن يطلعوا على إصداراتنا».

«ناشرون»: تركيز على الترجمة
يشرح مدير عام «الدار العربية للعلوم ـ ناشرون» الوضع الحالي بالقول: «الطلب على الكتب تضاءل، والمشكلة الأكبر أنّ بيروت أصبحت كأيّ عاصمة أخرى بالنسبة إلى إنتاج الكتب وطباعتها. بيروت تخسر دورها الرئيس في هذا المجال بينما نشهد تطوّراً سريعاً في إنتاج دول الخليج كالإمارات والسعودية والكويت وقطر، والمشكلة الثانية هي دخل المواطن اللبناني الذي تراجع بشكل كبير مقارنة بالغلاء الحاصل، ما يضطرنا لإجراء حسومات كبيرة على الكتب، ويهمنا تحريك الكتب المخزّنة لدينا، ولا يهمنا الربح بصراحة. لذلك في معرض بيروت، سنقدّم عروضات قدر استطاعتنا، فلا ننسى أنّ كلفة الإنتاج زادت». وعن الإصدارات الجديدة، يقول: «التركيز يكون على المترجم، لأنّ المؤلفين العرب باتوا يطبعون وينتجون في بلادهم، فالسعودي صار يطبع في بلده، وبتنا نعتمد على الكتب المترجمة وعلاقاتنا القديمة، ونريد أن نصل إلى أكبر شريحة من القرّاء، ونحن بانتظارهم في المعرض، ليشتروا ويقرؤوا ونحن سنضحّي ليسير الوضع بأقلّ خسائر ممكنة». وعن الانقسام الذي شهدناه في الدورة الاستثنائية التي أقيمت في آذار (مارس)، يضيف: «البلد بأكمله منقسم، والمعرض منقسم، والله يجير البلد».

«الرافدين»: الأزمة عالمية
يرى مدير عام «دار الرافدين» محمد هادي أنّها «الدورة الأولى الجدية والحقيقية من المعرض بعد أحداث تشرين 2019. مرّت الدورة الماضية وكانت مربكة بسبب مقاطعة جزء كبير من الناشرين لها، وتوقيتها الذي كان مغايراً للتوقيت الرسمي للمعرض، والدورة الحالية هي بمساحة أقلّ مما اعتدنا عليها في الماضي، بسبب عدم جهوزيّة المكان. وعلى الرغم من الظروف المعيشية الصعبة، أجد أنّ المعرض سينجح ولو نسبياً، لأنّ الشعب بطبعه مثقف وبحاجة إلى ارتياد معارض الكتب، وهو متنفّس حقيقي له. المعرض هو الموسم الرئيس لكلّ منظومة الثقافة في لبنان». يكشف هادي عن كمّ كبير من الإصدارات الجديدة: «هناك روايات وأعمال شعرية وترجمات ودراسات، وسنركّز على الشاعر محمد علي شمس الدين، وهو شخصية المعرض بالنسبة إلى الدار، إذ أودعنا ديوانه الأخير بعنوان «خدوش على التاج» وفي الوقت نفسه أصدرنا الكتاب الذي يتضمّن الحوار الأخير بين شمس الدين والشاعر محمد ناصر الدين، وهذان الكتابان هما من أهمّ ما نقدّمه للقارئ».
إذا كان هذا المعرض هو مهرجان للمدينة، فلا يجب أن يبقى أحد خارج العيد (سليمان بختي)


يوافق هادي على أنّ سياسة النشر تغيّرت، لكنّه ينفي أن يكون السبب الوضع اللبناني فقط، فـ «التغيير حصل بسبب الوضع العالمي، انتظرنا الانتهاء من أزمة كورونا وبعد الانتهاء، دخلنا في نفق حرب أوكرانيا، ومع بُعدها الجغرافي عن لبنان، إلا أنّها تسبّبت في انكماش اقتصادي لقطاع هشّ مثل النشر، فحركة التوزيع ضعُفت، وصارت طلبات الموزّعين أقلّ من ذي قبل، ودفعهم للمستحقات صارت أقلّ. وفي عام 2022 أنتجنا نصف ما أنتجناه عام 2021، وكنا نعتبر عام 2021 عام انطلاقة جديدة ومتنفّساً بعد كورونا، وإذ بنا نخفّض عدد منشوراتنا. بعدما كانت 133 كتاباً، أصبحنا أمام إنتاج خمسين كتاباً فقط لا غير، والمشكلة الأساسية هي ارتفاع أسعار الورق وكلفة الطباعة».
يراعي هادي وضع القارئ اللبناني ويمنحه أسعاراً مخفّضة بالليرة اللبنانية. يقول: «ننتظر المعرض لنلتقي بقرائنا ومؤلفينا والوسط الذي نعتاده، معرض بيروت له نكهة مختلفة عن كل المعارض، روحيته مختلفة، والمعرض هو عميد المعارض العربية، فنحن نتحدث عن الدورة الرابعة والستين. ورغم كل الحداثة الموجودة في معارض أخرى، يبقى هذا المعرض المرتكز الرئيسي للثقافة العربية».

* «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب 64»: بدءاً من اليوم حتى 11 كانون الأول (ديسمبر) ــــ «سي سايد آرينا» (واجهة بيروت البحرية)