في نهاية الأسبوع الماضي، قدّمت المخرجة التونسية وفاء الطبوبي مسرحيتها «آخر مرة» للمرة الأولى أمام الجمهور اللبناني في «مسرح المدينة». بيروت التي تمثّل ذاكرة الزمن الثقافي الجميل رغم ما عانته وتعانيه من أزمات على الأصعدة المختلفة، تعتبر الطبوبي أنّ لها رمزية خاصة في مسيرتها. هذا ما تؤكدّه في حديثها لـ «الأخبار».«ماذا يعني لك لقاء جمهور بيروت؟». توضح الطبوبي أنّ العاصمة اللبنانية «انطلاقة جديدة لـ «آخر مرة»... روح جديدة بيروت الفن والذوق... لا يمكن أن تقول إنّك مسرحي من دون أن تمر على خشبة مسرحها. العرض مهم بالنسبة لي ولكامل الفريق لأن الوجود في بيروت ليس متاحاً للجميع... هناك كثير من الوعي بخصوصية البلد وشعبه ومسرحييه المقاومين والصامدين رغم كل الظروف... والمسرح هو أداة دعم ومؤازرة نقسم فيه الفرح والألم. المسرح مقاومة في النهاية».
وعمّا إذا كانت تعتبر كل عرض جديد عرضاً أوّلاً، تؤكد الطبوبي أنّ عروض «آخر مرّة» مستمرة في تونس وخارجها: «كل عرض بالنسبة لنا هو أول عرض وآخر عرض. نقدم فيه كفريق عصارة جهدنا وإبداعنا بكل حب وإيمان بأن المسرح حي لا يموت وأن كل عرض هو ولادة عرض آني لا يمكن أن يتكرر بالمواصفات نفسها، من خصوصية الزمان والمكان والفعل المسرحي الذي لا يتكرر بنفس الشكل والروح والطاقة... لذلك «آخر مرّة» يتجدد من عرض إلى آخر وكل عرض هو خاص بزمانه ومكانه وجمهوره. وإن تكرر، فلن يكون بالشكل نفسه.
عن تجارب جيلها من المسرحيين التونسيين، تقول: «ما دام المسرح التونسي ينتج سنوياً مئات الأعمال، فهذا دليل على كثافة الإنتاج بغض النظر عن المبحث الفني الجيد... صحيح أنّ هناك بعض الاستسهال للفعل المسرحي، لكن يبقى الجمهور والنقاد هم المرجع الأساسي للتقييم وأرى أنّ المسرح التونسي يبحث عن طريقه وهذه التجارب الوافرة يمكن أن تساعد على طرح جماليات جديدة لمسرح جديد يشبهنا».
وبالنسبة إلى موقع المسرح التونسي اليوم قياساً بالتجارب العربية، تشدّد على أنّه «ما دمنا ننتج مسرحاً يقلق ويرهق ويدفعنا للتساؤل والحيرة والجدل، فالمسرح التونسي بخير ولا يمكن مقارنته بتجارب أخرى عربية. ربّما لأنّ مسرحنا أكثر جرأة ولا يضع تابوهات رغم محاولة تدجينه عربياً وإدخاله إلى «بيت الطاعة» من خلال «الهيئة العربية» التي تحاول أن تجرّد المسرح العربي من هويته بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وأن يكون فولكلورياً زائفاً بعيداً عن واقع مجتمعاته والواقع الحارق الذي نعيشه إن كان سياسياً أو اقتصادياً أو فكرياً...». وتتابع: «لكن يحاول بعض المسرحيين التونسين المقاومة والصمود أمام هذه التيارات والحفاظ على خصوصية المسرح التونسي في طرح المواضيع الأكثر جرأة، والحفاظ على معاني المسرح المقاومة لكلّ التيارات الرجعية».
«ماذا أضاف لك التعامل مع المنتج الحبيب بلهادي؟». تعتبر وفاء أنّ التعامل مع مدير قاعة «الريو» ومنتج «آخر مرّة» فيه «تكامل لأنّني كنت أبحث عن الإيمان بنا ودفعنا إلى الأمام لمقاومة ثقافة التسطيح والتخريب. الحبيب بالهادي حامل لمشروع ثقافي فني جدي ثابت في مساره. فكان اللقاء الذي أعطى لـ «آخر مرّة» روحاً جديدة رغم الصعوبات التي نواجهها في المشاركة في المهرجانات الدولية وتخلّي وزارة الثقافة عنّا، وعدم دعم جهودنا في تمثيل تونس داخل وخارج الوطن. فكان المنتج المجازف الوحيد الذي تحمّل كل نفقات السفر والعروض. مع العلم أنّ المسرحية نجحت وأحرزت جوائز». وفي هذا الصدد، تلفت الطبوبي إلى أنّ هذا المنتج «مغامر ملتزم بقضية المسرح كمنصة لطرح قضايا الإنسان والمجتمع».