كلّ عنصر في لوحاتها يروي شيئاً ما ضمن خيار الكولاج أسلوباً وزخرفاً ولوناً وتكويناً، فتحقّق بالتالي فرادتها. إنّها الفنانة هَيْبَتْ بلعة بواب التي تقيم معرضها «إلهامات محلية» حتى الرابع من شباط (فبراير) المقبل في غاليري Art On 56th (الجميزة). يضمّ المعرض لوحات زيتيّة وأخرى كناية عن كولاج بأسلوب متقارب ذي مواضيع متنوعة قائم على زحمة ناس في أماكن عامة متفرّقة. لقطات من الواقع كمن يروي قصة موزّعة بين الواقعيّ والمتخيّل، تبني بهما فضاءها التشكيليّ الخاص. والناس يتدافعون في لوحاتها المكتظة بهم في مناخات لونيّة زاهية تنضح بالحبّ.
«حرم جامعة الـ LAU» (مواد مختلفة على خشب ـــ 70 × 100 سنتم ــــ 2019- تفصيل)

رغم تنوّع المشاهد في لوحات هَيْبت وغنى التفاصيل وكثرة الأشخاص، فإنّها تنجح في جذب انتباهنا إلى مركز اللوحة، أو إلى الجوهر فيها وسط ملامح غير واضحة للوجوه ومشهد الازدحام في المكان العام. القامات البشريّة ماثلة أكثر من الوجوه، إذ تضعها أحياناً في حال من الهلع والصدمة والانتظار. وقد تروي في لوحات أخرى حكايات عائلية، أو متصلة بـ «الصورة» ثم انفجار المرفأ. لكنّ الطاغي في أعمالها، هو ما يحضّ النظر والإحساس على البهجة نتيجة البراعة اللونيّة والتوازن التكوينيّ. وهنا نخرج من التيمات و«الرسائل» المتعدّدة، إلى الأسلوب اللافت والمتين.
لو انطلقنا من أنّ الفنّانة تدرّس الفن التشكيليّ في «الجامعة اللبنانية الأميركية»، تتّضح لنا منابع الإتقان والتوازن وطريقة استخدام اللون في لوحاتها. إنّها فنّانة أكاديميّة، عارفة، دقيقة، غير عشوائية وغير اعتباطيّة، على معرفة تامّة بأصول الفنّ التشكيليّ ولا تأتي من هواية أو من زعم موهبة في الرسم مثلما نرى لدى كثر وفي العديد من المعارض الهزيلة التي نزورها. تُحسن توظيف الرمز والتجريد وإخفاء الملامح والكولاج واللون وألبومات الصور والقصاصات من مجلّات قديمة والخرائط والنوتات الموسيقية… مازجةً هذه العناصر لإيصال الرؤية والمعنى، وأحياناً لمجرّد إشاعة البهجة اللونيّة الآسرة، عند مستوى من التناغم بين حضور التفاصيل وغيابها. إحساسها قويّ جداً باللون، أسلوبها صارم، والتقنية العالية لديها توسّع آفاق التعبير.
يد ماهرة تمتلك أدوات تعبيرها على نحو إبداعيّ

أجواؤها احتفاليّة، إيقاعيّة كأنّنا حيال سمفونية بصريّة تطلع منها الأصوات والنغمات. ألوان لوحاتها (خصوصاً الزيتيّة) ثائرة، حارّة، متصادمة. وحين تأتي إلى الكولاج، تُشعرنا بأنّها تغوص في أبعاد تاريخية وفنية وحتّى معماريّة. تهب الورق المستخدم في الكولاج مزايا اللون من خلال التنسيق المتوازن في عمليّة اللصق والتكوين فوق أسطح ذات وسائط متنوّعة. تُضغط مساحة اللوحة فتتداخل الأحرف والطبقات مع خطّ فاصل بين السطح والعمق، ما يستدعي تمعّناً دقيقاً وتفسيراً تأويليّاً.
معرض أنيق، ذو حرفيّة جاذبة ويد ماهرة تمتلك أدوات تعبيرها على نحو متقن، إبداعيّ، ودقيق تصوّراً وتنفيذاً. إنّه التشكيل الذي يُفرح ويُريح ويحضّ على التأمّل في العناصر والمكوّنات المتناغمة.

* «إلهامات محلية»: حتى 4 شباط (فبراير) ـــ غاليري Art On 56th (الجميزة) ـــ للاستعلام: 01/570331