يحضر جزء كبير من حياة عصام محفوظ، في عيادة شقيقه عماد محفوظ في شارع الحمرا. مسرحياته وكتبه النقدية والفكرية والشعرية تملأ نصف مساحة المكتبة. أما الأدراج السفلية، فتحوي ملفات من أرشيفه الشخصي، ونصوصاً أخيرة كتبها على سرير المستشفى بيده اليسرى. يحتفظ رأس عماد محفوظ أيضاً، بالذاكرة الطفولية لشقيقه الأكبر. يلاحقنا طبيب الأسنان بفكرة أن حياة عصام كانت مسرحية كاملة وصولاً إلى وفاته، الذي «يشبه الانتحار» عام 2006. ربما تكون هذه فكرة ثابتة ومشتركة عن حياة صاحب «الديكتاتور»، خصوصاً أن الحوار المسرحي تسلل إلى معظم كتاباته حتى الشعرية، وأعماله الفكرية والنقدية مثل «حوار مع رواد النهضة العربية في القرن التاسع عشر» (1988). إلا أن الشقيق الأصغر يعيدنا إلى التأثيرات الأولى التي تقبع خلف أكثر التجارب طليعية في المحترف المسرحي اللبناني والعربي. من سقيفة منزل العائلة في جديدة مرجعيون، انفلت خيال عصام محفوظ المسرحي. هناك، كان يكتب ويمثل ويخرج مسرحيات في عمر مبكر، مستعيناً بالاكسسوارات والمعدات المسرحية المودعة في الأعلى. كانت هذه الأغراض نفسها التي يستخدمها الممثلون في «مسرح حرمون» الذي افتتحه والده في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي في الجنوب اللبناني. رافق عصام في عمر مبكر عروض هذا المسرح، وأفلام فيلليني، والأمسيات الموسيقية، فيما كبر على مسرحيات تجسيد معركة كربلاء خلال عاشوراء في الجنوب. لم يقتصر تأثير الوالد على المسرح فحسب. كان عبد المسيح محفوظ طبيباً ومثقفاً وكاتباً ومترجماً، مناصراً لحقوق المرأة، ومعادياً شرساً للاحتلال الاسرائيلي. درس في القدس، ثم عاد عام 1926. منذ ذلك الوقت، صار منزل العائلة قبلة لشعراء مثل الأخطل الصغير وأمين نخلة وبولس سلامة، وعلماء وشيوخ كعبد الحسين شرف الدين ومحسن الأمين وأحمد الصافي النجفي. في هذا الجو كبر عصام، محاطاً بمكتبة ضخمة، وسجالات أدبية وفكرية. كان قارئاً نهماً، وكتب مسرحية كاملة بعنوان «بائع الطحين» في عمر الثانية عشرة. ثم بدأ يكتب الشعر في عمر السادسة والسابعة عشرة. وفي إحدى زياراته إلى بيروت، التقى بشوقي أبي شقرا في مكتبة البرج، ليأخذه بعدها إلى يوسف الخال في «مجلة شعر» حيث انطلق عصام. لكن هذا الجانب المضيء، ترافق مع أجواء قاتمة تمثلت في خسارة أفراد من العائلة. خسر عصام ابن عمته الذي كان يبلغ 18 عاماً حينها، ثم جده وجدته. خلق هذا «الموت الذي يخيم على كتابات عصام»، يقول عماد، «وولد نزعة سوداوية وحزينة في كتاباته، خصوصاً إذا ما أضيفت إلى محن تلك الفترة كالنكبة (1948) وتأثيرات الحرب العالمية الثانية».