لطالما وصفت لوحات بأنّها مليئة بالموسيقى، مثلما وُصفت أعمال موسيقيّة بأنّها لوحة تشكيليّة. العلاقة بين هذين التعبيرين الفنيين قديمة قِدَم علاقة المسرح بالشعر والرواية. يهبنا الرسم أعمالاً صامتة، ثابتة، فيما تهبنا الموسيقى غير المنظور والمجرّد. الموسيقى تجريد مثلما اللوحة تجريديّة في أحيان كثيرة. استلهمت الموسيقى اللوحة والعكس صحيح. مثلاً ، الموسيقيّ الروسيّ موسورسكي استلهم لوحات الرسام الفرنسي هرتمان، ومثله فعل الرسام مورتيزفون شونيد يوم استلهم موسيقى بيتهوفن، وأنجز الهولندي موندريان لوحة أعطاها عنوان «برودواي جاز».
من الكتاب: مواد مختلفة على ورق قطني ـ 2009

jazz pulse عنوان كتاب فاخر ثريّ المحتوى للفنانة غريتا نوفل صدر لدى «مكتبة أنطوان» وأنتجته «غاليري جانين ربيز»، يستعرض باللوحة وجوهاً وأعلاماً من الموسيقى الأفرو - أميركية. كلّ عازف جاز يؤدّي منفرداً. عمالقة الجاز ماثلون هنا في كتاب نوفل، عازفين على آلاتهم، علماً أنّ الفنانة سبق أن قدّمت هذه البورتريهات الخاصة بعالم الجاز في معارض عدّة، مكرّمةً أبرز فناني الجاز الأميركيين، إنّما ليس على نحو تقليديّ واضح المعالم، بل عبر خطوط وبقع لونيّة وإيحاءات تدلّ على هويّة أولئك العازفين، بأسلوب قريب من الاسكتشات. ارتجالات شكلّية ولونيّة تحاكي ارتجالات موسيقى الجاز وتجريديّاتها.
تحاول غريتا نوفل العثور على اللون المناسب للبقع التي تشبه النوتات المتجانسة، فتتمدّد الألوان فوق سطح اللوحة كمعزوفة صامتة. عين الرسّامة تضاهي أذنها الموسيقية، ضمن إطار تكوينيّ يشبه الملصق الإعلانيّ، إنّما الفنّي هنا بامتياز، بفضل غياب الملامح الجليّة التي تحلّ مكانها المقاربة اللونيّة التجريديّة، والبقع «المنوّتة» بالريشة عوض الساكسوفون أو الكونترباص. اللوحة والموسيقى في اتحاد جميل، بل رائع.