برعاية وزارة الثقافة اللبنانية، يقدّم الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي أمسية اليوم في «مسرح المدينة» بعنوان «جلجامش: الملحمة كاملة». منذ كتابتها على الألواح الطينية في عهد أسرة أور الثالثة حوالي عام 2100 قبل الميلاد، ومروراً بنسخها المتعددة باللغة الأكدية التي اكتُشفت عام 1853 على يد أوستن هنري ليارد، فرضت ملحمة جلجامش نفسها درّة للأدب البابلي وحضارة وادي الرافدين.

غدت الملحمة المترجمة إلى اللغات الحية كافّة، جزءاً لا يتجزّأ من الأدب العالمي والتراث الإنساني. تعدّدت الدراسات العلمية التي تناولتها بالنقد والتحليل، والصياغات الأدبية والفنية التي استلهمتها، ومنها الصياغة الجديدة التي يقوم بها الشاعر تميم البرغوثي في محاولة لكتابة نصّ ملحمي عربي فوق النص الأصيل، ومحاولة لصياغة أول ملحمة شعرية في تاريخ العربية، تختلف عن الترجمات التي أنجزها علماء الآثار الكبار أمثال طه باقر وغيره، وتحاول أن تُضيف لبنة جديدة على التراث الملحمي الشعري العربي الفقير اللهم إلا من بعض السير الشعبية، لأسباب عديدة أبرزها صعوبة تكييف البنية الإيقاعية وأحادية القافية لنصوص كبيرة مثل الشاهنامه والمهابهاراتا والأوديسة وغيرها، إضافة إلى قلة استلهام الشعراء للجهاز الأسطوري العربي وقلّة الدراسات الجدّية حوله وفيه. في استلهامه للنص السومري، يوضح البرغوثي أن «هذا النص، الذي يُقرأ في ساعتين ونصف الساعة على المسرح، ليس ترجمة حرفية، بل هو إعادة كتابة. فإن يكن قد حافظ على الحوادث كما هي، فإن بناء الشخصيات، والصورة الشعرية واللغة والإيقاعات، بل والمعنى الفكري والأثر العاطفي للنص، كله حديث. وإن كانت الألواح الاثنا عشر المكتشفة في نينوى، تُنسب إلى الكاهن البابلي سين القي أونيني الذي عاش قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة وبضع مئات من السنين، ووقّعها باسمه لأنه جمعها ونظمها، رغم أنّ القصة ذاتها لم تكن من تأليفه، فإنه من الطبيعي أن يُنسب هذا النص لشاعره، فما له فيه أكثر مما لسين القي أونيني في النص الأكدي».
بعدما أضاع جلجامش نبتة الخلود، اقتنع أنّ الذكرى الوحيدة المؤبدة المتاحة للبشر على الأرض هي تخليد الذكر بالعمل الذي ينفع الناس ويمكث في الأرض، وهو ما ينتظره جمهور عشاق تميم البرغوثي ومتابعوه منه تماماً، قصيدة جديدة قلباً وقالباً تشبه عشبة الخلود.

«جلجامش: الملحمة كاملة»: 19:30 مساء اليوم ـــــ «مسرح المدينة»