بغداد | ارتبط اسم سميح القاسم لدى جمهور من القرّاء العراقيّين بقضية العرب الكبرى: فلسطين، حيث الجرح النازف الذي يمتدّ طوله من المشرق إلى المغرب، غائراً وعميقاً في ضمير كل إنسان عربي. وليس ببعيد اختيار اللجنة العليا للاحتفاء بـ«بغداد عاصمة الثقافة العربيّة 2013» صاحب «أغاني الدروب» لتكريمه في حفلها الختاميّ في آذار (مارس) 2014.
لكنّه بعدما عبّر عن سعادته الكبيرة، اعتذر حينها عن عدم الحضور بسبب «حالته الصحيّة». يومها قال: «بطبيعة الحال، أسعدني هذا الموقف كثيراً. وبغداد ليست مدينة أخرى أو عاصمة أخرى، فهي عمق حضاري، عربي وإسلامي متميز جدّاً. بغداد هي بغدادي الشخصية وحبّها متأصل داخلي رغم كل الظروف السياسية والتقلبات، فبغداد تبقى بغداد كما دمشق والقاهرة والقدس، عواصم في الروح والوجدان والحلم العربي الموحد، أتمنّى أن تستعيد نشاطها وموقعها الصحيح تحت شمس الله».
واختيار الراحل لمفردة «الشمس» في تصريحه عن بغداد، ربما هو استعادة لأيقونة شعرية خلّدها السياب في قصيدة «غريب على الخليج». رغم ما تبثّه على الأرض العراقيّة من حرارة وسموم، هي «أجمل من سواها»، حالها من حال الظلام الذي امتدحه رائد الحداثة الشعريّة (1926ــ 1964). والمعروف أنّ للقاسم مجموعة شعريّة باسم «بغداد» صدرت عن «منشورات إضاءات» (مطبعة الحكيم، الناصرة، 2008).

قصيدته «أصوات
من مدن بعيدة» مدرجة في المناهج الدراسية

وأمام كلّ قضية كيانية ندافع عنها، ضرائب لا مفر من إيفائها. القاسم شاعر «القضية الفلسطينيّة» و«العروبة»، وهذا الالتزام لا بدّ من أن يأخذ مأخذه من فنية الشعر وتحرّر الشاعر من قوالب تفرضها المواقف الكبرى، حين تبدأ سيرة الشاعر وتنتهي عند الموضوع نفسه، بما تحمله القصائد من حس ثوري يجعل مبدعها يفكر في الآلاف المغيبين وبالأطفال المضيّعين وبالأوطان المستباحة، فلا يمكن للبناء الفنيّ إلا أن يكون إطاراً لجميع هذه النكبات والانكسارات، حيث انكساراتنا نحن العرب جميعاً، ولا سبيل للغة إلا أن تنطق بأصوات المقهورين مثلما تقول قصيدته «أكثر من معركة»، فالعربيّ ــ الفلسطيني مجبر على خوض المعارك أو مجبول عليها، وخوفه مقيم من سكين الغدر! «في أكثر من معركةٍ دامية الأرجاءْ/ أشهر هذي الكلمات الحمراء/ أشهرها.. سيفاً من نارِ/ في صفِّ الإخوة.. في صفِّ الأعداء/ في أكثر من درب وعْرِ/ تمضي شامخةً.. أشعاري/ وأخافُ.. أخاف من الغدرِ/ من سكين يُغمد في ظهري..». لا مفر أمام الشاعر سوى الدعوة إلى القتال، أليس هو ابن لأرض مغتصبة، كما في قصيدته «أصوات من مدن بعيدة»: «يجيئون، قلت، على عربات قديمه/ تئن بأثقالها الخيل.. خيلُ الجريمه/ (يجيئون ليلا)/ فهاتوا الهراوات... هاتوا المشاعل/ من الغرب، قلت لكم، فافهموني/ وألقوا المسابح للنار/ ألقوا غبار القرون/ وقوموا نقاتل!..».
ولعلّ القصيدة المشار إليها هي نفسها الموجودة في مناهج الدراسة الاعدادية في العراق. ولا تتيح أجواء رثاء الرموز في الثقافة العربيّة أي مجال لإثارة أسئلة حساسة ومهمة عن سيرهم ومنجزهم، بطرح موضوعي وتقييم فني، منها عدم قدرة كثيرين منهم على الابتعاد عن الزعامات التقليدية والدكتاتوريات العربيّة.