على هامش عرض فيلمها «القصبة تهتز» (الأخبار 1/9/2014) في الصالات اللبنانية، التقت «الأخبار» السينمائية المغربية ليلى المراكشي التي تحدّثت عن فيلمها وسبب اختيار فريق عمل من الممثلين المعروفين الذين ينتمون إلى خلفيات وبلدان مختلفة.
اعتبرت المراكشي أنّ هذا الأمر لا يؤثر في هوية الفيلم الذي يغوص في المجتمع البورجوازي المغربي، فقد»اخترت هؤلاء الممثلين لأنني كنت أرى أنهم سيكونون مناسبين لأداء شخصيات الفيلم. صحيح أنّ الحبكة تدور في المغرب فيما أنا اخترت ممثلة لبنانية (نادين لبكي)، وفلسطينية (هيام عباس) ومصرياً (عمر الشريف)، إلا أنّ قصة «القصبة تهتز» عالمية قد تدور في أي مكان وهي جزء من ثقافتنا في العالم العربي وليست خاصة فقط بالمغرب». لكنّ المشاهد للشريط يشعر بأنّه يعكس جزءاً من سيرة صاحبته، فالبطلة صوفيا (مرجانة العلوي) آتية من خلفية برجوازية ومتزوجة من مخرج أفلام رعب، وهذا ما ينطبق على المراكشي المتحدرة من عائلة برجوازية مغربية ومتزوجة من المخرج الفرنسي ألكسندر أجا الفرنسي المعروف بأفلام الرعب التي أخرجها. تجيب المراكشي بأنّ «المخرج يضع دوماً من نفسه في أفلامه. أتكلم عن أشياء عشتها وأحسست بها. الشخصي يتحول إلى عام لأخاطب عبره عدداً أكبر من الناس، وهذا ما يهمني».
إذا شاهدنا فيلم المراكشي السابق «ماروك» (2005)، نرى أنّ الشباب منفصلون تماماً عن مجتمعهم سواء لجهة التقاليد أو العادات أو الديانات، بينما في «القصبة تهتز» نرى عائلة مغربية أكثر تقليدية. تعزو المراكشي ذلك إلى أنّ «الفيلم يجري أثناء جنازة الأب، وتقاليد الدفن تمتد لثلاثة أيام وترافق أحداث الفيلم.

وضعت التقاليد في تناقض
مع ما تفعله الفتيات في السرّ

لذا هنالك عودة إلى هذا الجانب التقليدي، وما أحببتُ فعله في الفيلم هو وضع التقاليد في تناقض مع ما تفعله الفتيات في السرّ وما يجب عليهن فعله بنظر المجتمع. هناك الكثير من التناقضات مثل «مريم» التي تؤدي دورها نادين لبكي التي تشرب البيرة أثناء الدفن مثلاً». لكن بالنظر إلى النساء، نرى أنّ ريتا حصلت على حريتها في «ماروك» بينما النساء في «القصبة تهتز» ما زلن يصارعن من أجل حريتهن؟ توافق المراكشي على ذلك، لكنها تشير إلى أنّ «ريتا في «ماروك» كانت ثائرة أكثر. عندما تكونين مراهقة، تظنين العالم ملكك. الشغف هو الذي يقودها وترحل في النهاية. لكن الأمور تزداد صعوبةً عندما تكون لدينا مسؤوليات كالزواج أو الأطفال. في «القصبة تهتز»، نرى نساء عشن لفترة طويلة تحت حكم الأب والآن يأخذهن فرصتهن للتكلم بحرية. قبل كل شي، رغبتي كانت أن أعطي الفرصة لهؤلاء النساء للتعبير بحرية وتجسيد تناقضاتهن». بالرجوع إلى هذه النقطة، نلاحظ أن ليلى المراكشي عبّرت عن هذه الفكرة أي التحرر من سلطة الأب بطريقة شديدة المباشرة تقترب من التعليمية في نهاية الفيلم حين تتكلم هيام عباس مع بناتها وتقول بأنّهن صرن أحراراً. تجيب: «نعم ربما. لكن الفكرة وراء ذلك كانت أنّ الأم التي تلعب دورها هيام عباس هي قاسية طوال الفيلم وتتحمل كل شيء بصمت حتى تبقي على تماسك العائلة. وهنا تتحرر من قمعها لذاتها بعد موت زوجها، وتكشف لبناتها كل أسرار العائلة، وتطلقهن ليعشن حياتهن كما يردن”. مع ذلك، تبدو النهاية السعيدة للفيلم مفاجئة لا تتفق مع قسوة موضوع سفاح القربى الذي تطرحه المخرجة. تعلق المراكشي «نعم قد تكون هذه النهاية ضايقت بعض الناس. لكن هذا هو إيقاع الفيلم الذي يتأرجح بين الضحك والبكاء، بين التراجيدي والكوميدي. إنّه إيقاع يصعب إبقاؤه متماسكاً طوال الفيلم، وهذه نقطة قوة الشريط وإشكاليته في الوقت عينه. أعترف بأنّ النهاية أتت بطريقة سريعة أكثر من اللزوم أي هذه النقلة من التراجيديا إلى الكوميديا، لكن في الوقت عينه، كنت أريد أن أنهي الفيلم بإيقاع فرح، بنوتة فرحة، لأنّه مهما يحدث في الشرق، فالتلاحم العائلي هو الذي يسود. حين تحدث فضيحة من هذا النوع في الغرب، تتفكك العائلة تماماً».
عدا السلطة البطريركية، وسجن النساء في دائرة المجتمع والتقاليد، تأتي ثيمة الهوية المزدوجة للمغرب لتتجسد في «القصبة تهتز» كما في «ماروك». تعلّق المخرجة: «هي ثيمة مهمة في أعمالي لكن لا يجدر وضع الثقافتين الشرقية والغربية في مواجهة أو تناقض. هما مجتمعان يشكلان جزءاً مما أنا عليه، أنا كل ذلك، وليس هناك عنصر يعمل ضد آخر، فهذا التنوع هو مصدر
غنى».
لكن نرى تناقضاً معيناً في شخصية شبح الأب (عمر الشريف) التي لا تتفق مع بورتريه الأب المتسلط والديكتاتوري كما تصفه شخصيات الفيلم؟ تجيب: «صحيح لكن أرى هذا التناقض مثيراً للاهتمام لأنّ شبح الأب يتكلم من الجهة الأخرى بعدما فارق الحياة وانفصل عن الواقع ويجمع في نبرته بين السخرية لكن أيضاً الرقة والحب. وهذا يعكس التناقض بين ما هو عليه فعلاً وكيف نصفه لأنّ هذا النوع من الشخصيات الذكورية يصعب جداً معرفته في العمق».




تمزق وتناقض

نسأل ليلى المراكشي إلى أي مدى تجسّد الشخصيات النسائية في الفيلم التناقض التي تعيشه المرأة العربية، فتجيب: «أردت أن أبرز التناقض بين ما ينتظره المجتمع من هؤلاء النساء، وما هن عليه فعلاً في سرهن، ولا يستطعن أن يقلنه بحرية. هناك صوفيا الأكثر تحرراً التي تسافر إلى الخارج ثم تعود وهي الأكثر طبيعية بين أخواتها. وهناك مريم التي تركز على مظهرها وتعتقد أن كل شيء يعتمد على شكلها الخارجي ونظرة الآخرين إليها. وهناك لبنى (لبنى الزبال) الأكثر تزمتاً تعيش ضمن التقاليد وهذا يطمئنها، والجدة الأكثر حرية، والأم الغارقة في التضحية. هن نساء قد يمثلن النماذج المختلفة من الشخصيات النسائية التي نراها في المجتمع الشرقي.