في رحلة العودة إلى البياض، اقتفى نذير نبعة نفسه على دروب التراب الرطبة، تاركاً أثره عليها بدماثة محب. هناك في «مزة» جدته، رسم للصبايا على أثوابهن المطرزة على يد والدته، فراشات وطيوراً. أغرقه فرحهن بامتنان مهيب للفن، خصوصاً بعد لقائه بثلاثة رواد للتشكيل السوري الحديث، هم ثابت قباني ومحمود جلال وناظم الجعفري. بدت له اللوحة كعتبة، يرتقيها إلى داخله ومحيطه في آنٍ معاً، فتبع لهفته بحزم العارف، إلى القاهرة حيث كلية فنون، وفنانون، منتقلاً بعدها إلى دير الزور حيث ارتقى تلك العتبة، لتصبح لوحته وسيطاً تنقل إشارات الرؤيا بين عالمين، مولدة خصوصية أثر نذير نبعة، كأنه أثره على تراب تلك الدروب الندية في حواكير المزة. كان ذلك عام 1965 في «صالة محمود دعدوش» في دمشق، حيث وجه هزة قوية للوسط التشكيلي السوري، على حد تعبير التشكيلي والناقد طلال معلا.
عام 1975 عاد من «بوزار باريس»، مقتفياً أثره، إلى دمشقه وتجلياتها، في لوحة حداثية جذبت، أنظار العامة لها وخلبتهم. وقفوا حالمين أمام الواجهة الزجاجية لغاليري «المبيض» يكتشفون دمشقهم، وربما شيخهم الأكبر محيي الدين بن عربي، في وجه تلك المرأة الباهرة المزدانة بكل ما قد يخطر على بال، باذلاً كل ما يملك من مهارة ووجدان، ليقدم لنا احتفالاً سيمفونياً مبهراً. دمشقه بوجهها الأسمر وحليها وخواتمها وورودها، لوحة سهلة صعبة لا يتمكن الحوار معها من الاكتمال، هل هي عتبة أخرى يرتقيها المشاهد هذه المرة لتطل به على عالمين فيهما عدد لا نهائي من العتبات، التي تحتاج لاقتفاء أثرٍ كي تدخله، في مذاقات دهشاتها وتساؤلاتها؟
مقتفياً أثره على التراب الندي، ارتقى عتبات المعرفة ورأى... لوّح بفرشاته، وعاد إلى بياض اللوحة، ولجها. توحد مع سرها، ورسمها... بالأبيض فقط.
* سيناريست سوري