عمان | الفقر يصنعه الرجل وتكتوي بناره المرأة. هذه المقولة ليست دعاية نسوية عابرة، بل خلاصة الفيلم الوثائقي «أمهات الشمس» الذي يصوّر معاناة النساء في أشد مناطق البادية الأردنية فقراً بالقرب من الحدود العراقية/ السورية، حيث يسقط الرجال العاطلون من العمل بجبروتهم الزائف في تسلط الدولة التي تُغيّب مواسم التنمية واستدامتها.
بعد عام على إنتاجه وتطوافه المهرجانات، عُرض «أمهات الشمس» للمصريتين جيهان نجيم ومنى الضيف في عمّان للمرة الأولى خلال افتتاح «مهرجان Aat» في مناسبة يوم المرأة العالمي. تعثر صانعتا الفيلم على نموذج حقيقي لامرأة تختصر أزمات الأردن مجتمعةً. رفيعة هي الزوجة الثانية لرجل يعيش في قرية «منشية الغيّاث» التي تتصدر قائمة جيوب الفقر في المملكة، ولديها أربعة أطفال لا يجدون طعاماً كافياً وتدفئة وإنارة. يسكنون خيمة في العراء، فوالدهم عاطل من العمل ينتظر عطف الدولة. لكنّه في الوقت نفسه، يعارض سفر زوجته إلى الهند للالتحاق بدورة تدريبية ينظمها لستة أشهر «معهد حفاة الأقدام» Barefoot كي تكتسب خبرة فنية في إعداد الطاقة الشمسية مع بعض النساء الآتيات من كولومبيا وكينيا وبوركينا فاسو.
يطرح الفيلم تساؤلاً أساسياً: هل النساء أقدر على التخلص من الفقر مقارنة بالرجال؟ تلتقط الكاميرا التحولات التي تطرأ على بيئة تستبطن الإقصاء والحرمان اللذين تمارسهما الدولة بحق مواطنيها، وتعكسها سلوكيات الرجل الذي يأبى أن تتعلم زوجته لتمتلك مهنة تعيل بها أولادها، لكنه يتقبل سفرها على مضض. ستسافر رفيعة وامرأة أخرى برفقة «محرَم» يتفرّغ لحمايتهما أثناء إقامتهما في الهند، ولا ينقطع لسانه وهم متوجهون إلى المطار بترديد بيت الشعر الآتي: سلاماً يا دار بها العز موجود/ من أجل الوفا ملزوم إني أغادر! بمجرد مغادرة رفيعة، يبدأ زوجها ابتزازها مهدداً بطلاقها ما لم تعد، وتحميلها مسؤولية التخلي عن بناتها الأربع، وبذلك تضطر إلى العودة بعد أقل من شهر. عودة لن تلغي الشروط الاجتماعية والاقتصادية التي تحكم بيئتها. الرجال أدمنوا البطالة ووعود السلطة المؤجلة لتطوير القرية، بيد أنّ خجل رفيعة وخوفها من زوجها والفقر انتهيا إلى غير رجعة. من خلال تجربتها القصيرة في الهند، استطاعت تفكيك خطاب السلطة الأبوية التي تفقد هيبتها وتأثيرها نتيجة عجزها المزمن عن تغيير الواقع وأزماته. يتوقف الفيلم عند مظاهر القوى العاجزة في مجتمع ينكر واقعه، فتُعرض صور المرشحين وبرامجهم الانتخابية المعلقة على خيام قرية هي في أمسّ الحاجة إلى قماش اللافتات لا للشعارات البرّاقة التي دُونت عليها.
بعفوية وصدق استثنائيين، تصرخ رفيعة أمام الكاميرا: «زوجي قتل روحي». ولاستعادة روحها وتغيير واقعها، تنجح رفيعة وتسافر مجدداً إلى «معهد حفاة الأقدام» لتتلقى معرفة جديدة وتسرق لحظة فرح تتكشف في رقصها مع زميلاتها الأفريقيات واللاتينيات والهنديات وهي بكامل زينتها فيما حجابها ينساب من كتفيها على الأرض. زالَ الحجاب الذي يغطي عيني رفيعة، وحملت شهادة الدبلوم إلى باديتها النائية، مسرعة لإنجاز أول مجسم للطاقة الشمسية لتنير مساحات العتمة الشاسعة، وتستعد لخوض معركة مع رجال قريتها لإقامة مركز للتدريب التقني للنساء، لكنها تصطدم بواقع أكبر منها، فقد رفضت الحكومة تمويل مشروعها الذي تبلغ قيمته 115 ألف دينار، ومن شأنه إضاءة القرية بالطاقة الشمسية وتعميمها على قرى أخرى مظلمة، رغم أن كلفة إضاءتها بالتيار الكهربائي تتجاوز الملايين.
ضوء في نهاية الفيلم يشع من غرفة ابنتة رفيعة في قرية لا يسمع فيها إلّا عند الحديث عن مشاريع التنمية المتعثرة، أو تبادل إطلاق نار بين أبنائها إثر خلاف عشائري.



استري هذا النهد...

«طيب إذا صدر المرأة عورة بالنسبة إليكم، ليش محتفلين فيها؟»، تختصر هذه الجملة عدداً كبيراً من الانتقادات التي انهالت على الصفحة الخاصة بــ«مهرجان آت» على الفايسبوك. المهرجان الذي أقيم أصلاً لتكريم المرأة وقع في الانتقاص من قيمتها. على «بوستر» المهرجان، وضع القائمون على الحدث صورة التمثال الشهير لآلهة الحبّ فينوس الذي يظهر امرأة عارية من دون يدين. لكن هذه المرة، ارتأى المسؤولون عن المهرجان تغطية الصدر... كأنّنا بهم يقولون مع «طرطوف» موليير: «استري هذا النهد الذي لا أقوى على رؤيته»!