القاهرة | ثلاث خواص يملكها باسم يوسف ولا يملكها الإخوان المسلمون: حس الدعابة، الابتكارية، التواصل مع ثقافة العصر. في خططهم التي وضعت قبل عشرات السنين، وواصلوا تطبيقها لغاية «التمكين»، عمل الإخوان حساب كل شيء تقريباً: الجيش، أميركا وإسرائيل، الرأسمالية المصرية، الوجود القبطي، المثقفون، الأزهر والصوفيون، لكنهم فوّتوا أهم سلاح معارضة في تاريخ المحروسة: السخرية. يمكن ملاحظة الرسوم الساخرة حتى في معروضات المتحف المصري في ميدان التحرير. محاولات عمرها آلاف السنين لصناعة كاريكاتور يسخر فيه عمّال الأهرام والمعابد من معلمي الورش. عبد الناصر واجه الإمبريالية، لكنه لم يحتمل لقب «عبد الجبار» الذي أطلقه عليه أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام، فأودعهما المعتقل إلى أن مات. مبارك حكم مصر منفرداً 30 عاماً من دون التخلص من لقب «البقرة الضاحكة». السادات توقف مبكراً عن ملاحقة النكات التي تدور حول «زبيبة الصلاة» التي كان ينساها في البيت كما تحكي النكات، ويخرج من دونها. ثم جاء مرسي وبدا مثل نكتة جاهزة تنتظر من يرويها. لم يقصّر المصريون في هذا الأمر. في حلقته الأخيرة (الرقم 19)، يتقدم باسم يوسف وأسرة برنامجه بـ «شكر وخاص للدكتور الرئيس محمد مرسي لإسهاماته في نجاح «البرنامج»، ما ساعد على التخلص من نصف فريق الإعداد وخفض التكاليف». ليس غريباً أن يستيقظ باسم في اليوم التالي على قرار «ضبط وإحضار» من قبل النائب العام، الذي يسميه المصريون «النائب الخاص». الرجل الذي عيّنه مرسي ويعارضه شباب النيابة، وأصدر القضاء حكماً ببطلان وجوده في مكتبه، أصدر أمر القبض بتهمة «ازدراء الإسلام وإهانة الرئيس». بدا القرار على غرار تظاهرات الإسلاميين التي يجري فيها حشر أي كلمة إلى جوار الشريعة: «الشرعية والشريعة»، «الثورة والشريعة»...البلاغ قدمه محاميان عضوان في «اتحاد محامي مصر»، وهو أحد التنظيمات الموازية التي أنشأها الإخوان على طريقتهم في العمل السري، لتشكيل هيئات قانونية وإعلامية تحمل عنواناً عاماً كي تبدو الصورة كأن «الشعب» هو الذي يريد «دعم الرئيس» أو «تطهير الإعلام» أو «محاربة الرذيلة» أو محاكمة باسم يوسف.
ويمكن ملاحظة النشاط المحموم للجان الإلكترونية الإخوانية ضد يوسف على مواقع شهيرة، كيوتيوب أو موقع «العربية». رغم شعبية «البرنامج» التي تتضح من عدّاد الزيارات أو من نسبة الإعلانات، سيُلاحظ أنّ هناك آلاف التعليقات المتشابهة التي تتهم باسم بـ«تجاوز الخطوط الحمراء» أو تطالب الرئيس بأن «يغضب»، أو تهدد البرنامج بأن تلك الحلقة ـ أيّ حلقة ـ ستكون الأخيرة. كل ذلك لا ينفي أنّها المرة الأولى التي تفرد فيها المقاهي المصرية كراسيها لمتابعة برنامج بديلاً عن مباريات كرة القدم، لكن ذلك لا يعود إلى جرأة البرنامج في انتقاد الرئيس والجماعة فحسب، بل إلى مزايا أخرى قلّما يجدها المشاهد العربي في برامجه، وهي الابتكارية والتجدد، المرتبطة في آن واحد بما هو مألوف في ثقافة المشاهد وهويته.
في الحلقة الأخيرة، يلجأ باسم إلى أجواء «ألف ليلة وليلة»، مصاحباً حديثه المسجوع بموسيقى كورساكوف الشهيرة، وبالرسوم ذات الصبغة الفارسية المميّزة لليالي الألف. وفي حلقة سابقة، يقيم «زار بلدي» على المسرح تنفذه فرقة من عازفي الدف وراقصي التنورة، يتغنّى بـ «الدور الدور، الإخوان طقشوا في حزب النور»، مستعملاً لحن بليغ حمدي في مسرحية «ريا وسكينة» وهو يسخر «يا شماتتك يا حمدين يا حمدين، سبتوا إيه للمدنيين؟»، ما جعل حتى أبو إسلام أكثر الدعاة تطرفاً على قناة «الحافظ»، يعترف بأن باسم محقّ في «الزار» الذي أقامه. إذا أضفنا إلى الأمثلة السابقة، العمل الموازي بتقديم الفرق الموسيقية الشابة والمجددة، والجهد الفائق لفريق الإعداد في البحث وراء سقطات الرئيس والإضاءة على هفوات جماعته، وهو جهد أدى إلى أزمات دبلوماسية اضطر على أثرها مرسي إلى «توضيح» تصريحاته القديمة بخصوص «أحفاد القردة والخنازير»، واضطر جون كيري في الكونغرس إلى الدفاع عن «توضيحات» مرسي، يمكن القول إنّ حلقة باسم مساء كل جمعة، أخطر من عشرة أحزاب مجتمعة، في تأثيرها السياسي، ودورها في صنع الوعي الجديد. ذلك أنّ الفيديو القصير والشهير «القصاص» حيث يظهر المرشد محمد بديع وهو يلقّن «المرشح» محمد مرسي ما يقول، أشد تأثيراً من مئات المقالات التي تشرح تبعية مرسي لجماعته ومرشده، تلك هي عبقرية الصورة، وخطورة باسم أنه يدركها جيداً. مهما يكن ما سيذهب إليه قرار ضبط وإحضار يوسف، فهي معركة طويلة، لأن ما لا تدركه الجماعة أنّ باسم موجود وناجح، ليس لجهده فقط، بل أيضاً لأنه يعبر عن ملايين الشباب.