يُخيّلُ لقارئ رواية «رؤى الانقسام» (دار الجمل) للكاتب والشاعر السريلانكي مايكل أونداتجي (1944) أنّ قسمها الثاني (الجزءان الثاني والثالث من الرواية) سرد شبه منعزل ظاهرياً أو سيرة تجري بشكل خفيّ في طيات قسم الرواية الأول. أي أنّ الرواية التي صدرت عام 2007 تنتقل من حدث تفكك عائليّ في شمال أميركا في القسم الأول الى سيرة كاتب في جنوب فرنسا في القسم الثاني. سيرة الكاتب الفرنسي الشهير لوسيان سيغورا الذي عاش في الجنوب الفرنسي في بدايات القرن العشرين أو جزء من حيواتٍ وتفاصيل ويوميات عاشها، لا يمكن فصلها في حقيقة الأمر عن عوالم شخصيات القسم الأول من الرواية: كوب وكلير وخصوصاً آنا التي أسست مدخلاً سردياً الى عالم هذا الكاتب في القسم الثاني من النص، حيث نرى آنا تقوم بدراسة حياة هذا الكاتب في مركز توثيق. بين شخصيتي آنا ولوسيان، تولد قدرة القارئ على الغرق في مشاعره داخل مساحات شعورية مشتركة غير مرئية بين القسمين. الرواية نقلها الشاعر اللبناني شارل شهوان الى العربية بمعجم دقيق وغنيّ. هذا الغنى يحمل في طياته غنى العالم الروائيّ عند كاتب ذاعت شهرته كروائي ذي أصل سريلانكي تلقّى علومه في بريطانيا، قبل أن يستقر في كندا.
يحيل العنوان «رؤى الانقسام» الى تصدعات داخلية يكشفها مدار السرد عن حيوات تعيش مآزقها في هذا الجزء من غرب أميركا (بيتالوما ــ سان فرانسيسكو) حيث يقع الحدث الأهم. تستند كل التصدعات الداخلية في بنية الشخصيات الى حدث مأسويّ ومؤسس منذ المراهقة. حدثُ تصدّع العائلة في لحظة شعورية فائقة. كلير وكوب وآنا كانوا «يشكلون ستارة يابانية ومثلثة الألواح بحيث يكون كل لوح مكتفياً بذاته، لكنه يظهر صفات أو أسلوباً مختلفاً كلما وضع بجانب الآخرين».
افتراق آنا عن والدها بشكل كارثي بعد اكتشاف الأخير علاقتها بصبي الطفولة «كوب» الذي ربّاه، يؤسس لندوب متتالية في كل تفاصيل الرواية اللاحقة. آنا المهتمة لدواع خاصة وحميمية بدراسة الكاتب الفرنسي لوسيان سيغورا ستحتمل هذه الارتدادات في السرد، رغم غيابها في الظاهر عن مقاطع طويلة لاحقة. «هذا ما حصل لكوب ولي، فلقد أصبحنا غير مفهومين في أسرارنا وغير محكومين بحياتينا السابقتين. وسنبقى دائماً مرتبطين بعلاقتنا الرومنسية تماماً ككلير. بطريقة ما وهي التي خسرت عائلتها بسبب هذه العلاقة». كلّ المشاكل والمواقف حتى الخارجية منها يمكن اعتبارها عالة على ذاك الصدع الرئيسي الأول.
كأن معنى الانقسام عند صاحب «المريض الإنكليزي» (روايته الأشهر الحائزة جائزة «بوكر» في بريطانيا سنة 1992) يتجاوز الحيز المكاني أو الزمانيّ بين مرحلتين أو فترتين من حيوات الشخصيات ليدخل في معنى التخيل أو المكان المَجاز الذي يمكّن الشخص في حالة ما من رؤية المدى الأبعد. ربما يكون هو الشخص نفسه في زمان أو مكان آخرين. أو ربما يمكن قراءة انقسامات الذات الداخلية وتعلقها على مدار العمر بخيط الصدع الأول والمفصلي.