من تحقيق أعدته نانسي جو سالس في مجلة «فانيتي فير» تحت عنوان «المشتبه فيهم ينتعلون أحذية لوبوتان»، استلفت صوفيا كوبولا (1971) تفاصيل أحداث شريطها «ذا بلينغ رينغ» (90 د ـ 2013). وثّقت الصحافية الأميركية اعترافات مجموعة من المراهقات والمراهقين كانوا وراء عمليات سطو لقصور عدد من النجوم ومشاهير هوليوود. وكان من بين ضحاياهم وريثة سلسلة فنادق «هيلتون» باريس هيلتون، والممثلة والمغنية ليندسي لوهان، والنجم أورلاندو بلوم والنجمة ميغان فوكس...
وقائع تلك العمليات شغلت وسائل الإعلام وشرطة لوس أنجلوس بين 2008 و 2009. من تلك الأحداث، صاغت ابنة المعلم فرانسيس كوبولا وقائع شريطها الذي افتتح تظاهرة «نظرة ما» في «مهرجان كان» الأخير. صاحبة «انتحار العذراوات» (1999) و«سقط في الترجمة» (2003) و«ماري أنطوانيت» (2006) و «في مكان ما» (2010)، أدخلتنا، كمشاهدين، الى عالم قوامه الشهرة والأضواء والثروة والخواء والسطحية من دون إصدار أحكام شخصية. هذه البرانية في المعالجة السينمائية تدعونا إلى تأمل النزعة الاستهلاكية التي تستبدّ بالعقول، خصوصاً عند شريحة واسعة من الشباب الأميركي، وفي مجتمع تعويذة أغلب أفراده هاجس «الشهرة» ولو «لمدة 15 دقيقة» بحسب أب الـ«بوب آرت» أندي وورهول. عليه، استعانت المخرجة بطاقم شبابي هاوٍ، ما عدا الممثلة البريطانية إيما واتسون التي أدت شخصية «نيكي» المتمردة والمتماهية مع معبودتها ليندسي لوهان. لمَ لا، وهي الحالمة بدخول عالم الشهرة والأضواء مهما كان الثمن، إذ يدور فلكها ضمن أجواء برنامج الواقع لعائلة كارداشيان؟
لا تتوانى نيكي عن سرقة المقتنيات الشخصية لصنمها، بل تتفاخر بأنّها تقاسمت السجن مع لوهان التي اعتُقلت اثر سرقتها عقداً من محل للمجوهرات في مفارقة تختلط فيها حمى الشهرة بعار الجريمة. في عالم الفايسبوك وتويتر وتطبيقات إنستغرام وموقع «تي.أم.زد» الخاص بأخبار المشاهير، يتساوى الجميع. ومن هذا العالم الافتراضي، تمكنت هذه الشلّة من المراهقين من رصد حركات وأماكن تواجد أيقوناتهم، وعبر استعمال خرائط غوغل لتحديد أفضل الطرق وأسرعها للدخول الى قصورهم الباذخة.
لهذه المهمة، فتحت باريس هيلتون أبواب قصرها (سرق أكثر من مرة) حيث جرى تصوير الجزء الهام من الشريط بطيب خاطر. بل إنّ هيلتون ظهرت في بداية الفيلم في ناد مكتظ حيث كانت شلة المراهقين. تأخذنا هذه الشلة في رحلة نتعرف من خلالها إلى عالم هيلتون. قصر أشبه بمغارة علي بابا حيث الببغاوات والقردة والنرجسية التي تظهر في الوسائد الحريرية المزينة بصور هيلتون، وماركات الحلي والأحذية والثياب. أن تكون مشهوراً، وعدسات المصورين تلاحقك، وأخبارك تتابعها وسائل الإعلام هو كل ما تبحث عنه هذه الحيوات الحائرة. والطريق الى تحقيق ذلك يتم عبر الظفر بحذاء أو حقيبة تابعة لصنمك. وحسب هذا الهاجس، تضمن المعجبة أو المعجب منزلة ما في عالم الشهرة. سرعان ما يتبادر الى الذهن نعي المخرج نيكولاس راي في شريطه «متمرّد من دون قضية» (1955) تمرّد النجم جيمس دين على سلم القيم الاجتماعية الأميركية. إلا أنّ عمل كوبولا لا يبتغي ذلك، بل ينقل وقائع حيوات سطحية ليست سوى ضحية هواجس الشهرة وبرامج الواقع.


The Bling Ring: «صوفيل» (01/204080)، «بلانيت أبراج» (01/292192)، «أمبير سوديكو» (01/616707)



نقد | تحوير الحقائق؟


لعل آخر ما كان يتوقعه النقاد أن تقوم صوفيا كوبولا (الصورة) بإخراج شريط مماثل لـ The Bling Ring ليس لأن الفيلم مبني على قصة واقعية لا يزال أبطالها موجودين فحسب، بل لأنّها تنتمي الى حلقة الأضواء التي ينتقدها الفيلم، وتأثرها بالأحداث ومحاولتها اللعب على الواقع اصطدما بعوائق الواقعية وشهادات الأبطال الذين انتقد عدد منهم الفيلم واتهمه بتحوير الحقائق. عندما عرض The Bling Ring في «كان»، انقسم النقاد حول هذا الفيلم الجديد في الموضوع والأسلوب لا سيما أنّ كوبولا ترصد فيه المراهقين الذين طاردوا نجوم هوليوود ودخلوا منازلهم وسرقوا أغراضهم. غير أنّ صوفيا ركّزت على تفاصيل السرقة بقدر ما ركّزت على السارقين، فدخلت منازلهم وبحثت في شخصياتهم لتتخذ من الأحداث الواقعية المبنية على تحقيق أعدته مجلة «فانيتي فير»، قاعدة لتعالج فيه الفراغ القاتل الذي يعيشه المراهقون، ومدى تأثير النجوم والأثرياء وبذخهم على عقول هؤلاء المبهورين بصورة حيث يبدون مستعدين لفعل المستحيل من أجل بلوغها، فضلاً عن الاستهتار الذي يعيشه معظم النجوم إلى درجة أنّ باريس هيلتون تُسرق مرات عدة ولا تلاحظ ذلك. على صعيد شخصيات الفيلم، عمدت صوفيا إلى ملاحقة كل منها ورسم الأسباب التي دفعتها إلى المشاركة في السرقة، مبينة المشكلات النفسية التي أدت إلى تورّطها كمشكلاتها مع الوالدين. لكن في هذه النقطة برزت الانتقادات التي طالت تركيبة هذه الشخصيات. أدخلت المخرجة (كتبت الفيلم بنفسها) مخيّلتها أكثر مما يجب لتبدو كأنّها توجه الرأي العام نحو شخصية على حساب أخرى، مما عرّضها للانتقادات من «اللصوص» أنفسهم، لاسيما ألكسيس نيرز (اسمها في الفيلم نيكي مور) التي لعبت دورها إيما واتسون، فأظهرتها كوبولا متشاوفة وكاذبة وأرادت كسب الشهرة على حساب أصدقائها. ردت نيرز بأنّ الشريط سخيف وغير حقيقي. فيما بدت متعاطفة أكثر مع نيك بروغو (مارك هول) الذي لعب دوره اسرائيل بروسارد رغم أنّه اعتبر أنّها بالغت قليلاً في إظهاره ضعيف الشخصية. من الناحية التقنية، نجحت كوبولا في كسر رتابة مشاهد سرقة منازل المشاهير، فاستطاعت منح نفس تشويقي للعمل من خلال اختيار الكادرات أو من حيث التحكم بالمسافات بين الكاميرا والممثلين. ما أضفى على اللقطات المزيد من الواقعية، فضلاً عن إصرارها على إعادة تصوير الجرائم في منازل الشخصيات أنفسها.




وجهاً لوجه | الجانب المظلم

في إحدى مقابلاتها، صرّحت صوفيا كوبولا عن فيلمها The Bling Ring بأنّ «التشبه بطريقة عيش النجوم نوع من المتعة التي تسمح لنفسك بأن تحظى بها مرةً كل فترة. لكنها صارت اليوم مسيطرة على ثقافتنا في أميركا. خرج الأمر عن السيطرة كلياً (...) لا أريد أن أدلي بنصائح ولا أحبّ ذلك، لكنّ أهلي لطالما ركّزوا على أهمية الاجتهاد في العمل، وهذا ما أحاول تعليمه لطفلتي». وأنهت كوبولا بأنّها تسعى في أفلامها إلى تصوير الحكايات والقصص الذي تكشف «الجانب المُظلم لأمر مشرق». وهذا ما ينطبق كثيراً على فيلمها الجديد «ذا بلينغ رينغ».