هناك نوع من التجهيز في أعمال كارلا برشيني (1971). لا لأنها تستخدم أغراضاً وخاماتٍ مصنوعة، ولا لأنها ترسم على الحديد أو الخشب أو الجلد، بل لأنها تطمح من خلال ذلك إلى خلق هيكليات وتأليفات مهجَّنة، وابتكار صلاتٍ حميمة بين عناصر تبدو متعارضة. مذاقات التجهيز موجودة بنسب متفاوتة في أغلب أعمال معرضها Beyond Matter الذي افتُتح أخيراً في غاليري Art on 56th. إنه تجهيز مقنّع مثل عنوان المعرض الذي تدعونا فيه الرسامة اللبنانية للنظر الى الأشياء ومعاملتها كاستعارات وصور قابلة لتأويلات متعددة.
هكذا، تتراجع فكرة اللوحة التقليدية رغم حضور أغلب عناصرها. إلى جانب أنها منجزة على جلود ومعادن وخشب، هناك خلطات وتقنيات مختلفة مستخدمة في إنجاز هذه الأعمال. عمل مثل «سحر المسرح» منفذٌ على درفة نافذة قديمة، وآخر منفّذ على سقف سيارة مستعملة بعنوان «بساط الريح»، بينما تنبعث انطباعات ثلاثية الأبعاد من لوحات أخرى، حيث تنكسر حدود اللوحة، أو تُبتكر وظائف وأدوار جديدة لمكوناتها. الأشكال المرسومة قادمة من منطقة يختلط فيها التجريد مع تعبيرات شكلانية شديدة المعاصرة. الرسامة التي عاشت فترات طويلة في فرنسا وسويسرا وإيطاليا تستثمر تقنيات وصياغات أوروبية مع هويتها المحلية، وتمزج بين الرسم التقليدي واهتماماتها بالأثاث القديم. خلطاتها اللونية هي حصيلة هذا التعدد الذي تكثر فيه الخطوط والأشكال الهندسية والنقاط واللطخات السائلة والبقع الكبيرة. بعض اللطخات يمكن تأويلها كطيور أو أشجار أو أحصنة أو تضاريس طبيعية. التأويلات لا تخفّف إيحاءات الجفاف والحيادية والضجر المتأتية من الحياة الحديثة. هناك مفتاحٌ يعيد الحميمية الغائبة في بعض الأعمال. مفتاحٌ مرسوم ضمن تأليف العمل، أو مفتاح معدني حقيقي مغروزٌ في طرف العمل. الحداثة تظل طاغية حتى في أعمال رسمت عليها أشكالٌ شجرية. الشكل الشّجَري يذكّرنا بالتمديدات والقضبان المعدنية أو بالصور الميكروسكوبية للخلايا العصبية. هناك انطباعٌ معدني وموادّي في تجربة برشيني التي تحتوي على عمل عضلي واختبارات فيزيائية، حيث تتحول المواد الصلبة إلى «مرآة للطاقة»، بينما يصبح الرسم لعبة مرايا بين الرسامة وبين الخامات التي تستخدمها.



Beyond Matter : حتى 27 تموز الجاري ــ غاليري Art on 56th، الجميزة ــ للاستعلام: 01/570331