بدءاً من الغد، تخصّص «متروبوليس أمبير صوفيل» بالتعاون مع معهد «ثرفانتس» والسفارة الاسبانية والمعهد الفرنسي في لبنان، أسبوعاً للمعلم الاسباني بيدرو المودوفار (1949). تحت عنوان «ضغينة وشغف»، تستعيد هذه التظاهرة بعضاً من الأعمال الأولى لأحد أبرز رموز تيّار الـ«لا موفيدا». إنّه أشهر سينمائي اسباني في حقبة ما بعد الديكتاتورية، وأحد أهم وجوه تيّار الـ«لا موفيدا» الذي خرج على أنقاض فرانكو. منذ أواخر السبعينيات، تثير أفلامه الجدل والاحتفاء، من حانات مدريد وبرشلونة إلى سجادة «كان» الحمراء مع «الجلد الذي أسكنه» (2011).
نشأة المودوفار العائلية أثرت في توجّهه الفني وتسرّبت إلى أفلامه. مثلاً في «التربية السيئة»، حكى عن العيش في بيئة كاثوليكية قاسية كان لها «الفضل» في فقدانه الإيمان بالله! صاحب «قانون الرغبة» ولد في كنف عائلة فقيرة أرسلته في الثامنة إلى مدرسة كاثوليكية داخلية على أمل أن يصبح قسيساً. لكنه سيذهب إلى مدريد عام 1967 لتعلم الإخراج، ويجد نفسه مضطراً للتعلم بنفسه بعدما أغلق فرانكو مدرسة السينما الوطنية. عمل في أماكن عدة ليعيل نفسه، قبل أن يجد عملاً في شركة الهاتف الإسبانية التي بقي فيها 12 عاماً، يقضي النهار مساعداً ادارياً ويستغل باقي يومه لينغمس في عالم مدريد. عمل في المسرح التجريبي ومثّل وغنى في فرقة روك وكتب المقالات والقصص لمجلات محسوبة على الثقافة المضادة. مدريد ما بعد فرانكو كانت مسرحاً لكل ما هو بديل. منذ وفاته عام 1975، ولدت «لا موفيدا مدريد» كحركة تحررية جنسية وثقافية مضادة في وجه القيود السياسية والاجتماعية والطبقية التي فرضها الحكم الديكتاتوري. تشكلت هوية اسبانية شبابية جديدة، بلكنة شوارعية عاملة، أثرت في كل الفنون وفي العلاقات الاجتماعية محتفية بالحرية الجنسية والفكرية. سينمائياً، كان بيدرو أحد أشهر رموزها، والنقود التي وفرها اشترى بها أول كاميرا «سوبر 8» ليخرج أول أفلامه القصيرة إلى أنّ حقّق «بيبي، لوسي، وبوم» (1980) بكاميرا 16 ملم. منذ تلك اللحظة، بدأت رحلته السينمائية بالتوسع متناولاً الجنس والمثلية والنكات البذيئة. ألحق هذا العمل الكوميدي بآخر هو «متاهة الشغف» (1982) الذي ثبت مكانته بثيماته الجنسية عن فترة الـ «لا موفيدا»، قبل أن يتحول إلى الميلودراما التي صبغت أعماله بشريط «عادات قاتمة» (1983)، حيث تناول الدين والأخلاق والروحانية من منظور ساخر عبر دير راهبات تلجأ إليه مغنية كباريه.
مع نجمته المفضّلة كارمن ماورا، واصل ألمودوفار استكشاف ثيماته المفضلة: أعمال ميلودرامية وكوميدية عن المرأة والهوية لا تخلو من السخرية. أفلام مليئة بالألوان والأزياء والجنس والرغبات، ومغلفة بالتسلية التي اعتبرها مفتاح السينما. المرأة هي شغله الشاغل. المرأة، كأم وزوجة وأخت وحبيبة، وأنثى في الدرجة الأولى. شغله الاحتفاء بالأنوثة بأشكالها المختلفة، وبالمثلية والتحول الجنسي. وضع المودوفار المرأة في المكانة الأولى: «النساء أقوى منا، فهنّ يواجهن المشاكل أكثر مباشرة منا». حتى أمه فرانشيسكا أسند لها أدواراً في أربعة من أفلامه قبل وفاتها، واحتفى بها في فيلمه «كل شيء عن أمي» (1999)، إلى جانب «الممثلات والنساء اللواتي لعبن أدواراً وإلى الرجال الذين مثلوا وأصبحوا نساء». بعد ذلك، جاء نقده للسلطة الذكورية وتسليط الضوء على الأنثى كزوجة مضطهدة في «ما الذي فعلته لكي أستحق هذا؟» (1984)، و«قانون الرغبة» (1987) الذي يعتبره المودوفار أساسياً في مسيرته، بقصّة حب مثلية بين ثلاث شخصيات. ولحقه بـ«امرأة على حافة الانهيار العصبي» (1988) كوميديا متأثرة بأفلام هوليوود الخمسينية، و«كعب عال» (1991)، ميلودراما عائلية مليئة بالأغاني الشعبية، وصولاً إلى «كيكا» (1993) الذي انتقل فيه إلى صيغة أكثر حرية، منتقداً الاستهلاك، وقد أثار العمل جدلاً حتى في اسبانيا بمشهد اغتصاب أثار الاستفزاز. بعد كيكا، تغير اسلوبه ليصير أكثر قتامة مع «زهرة سري» (1995) الميلودرامي الذي يعدّ أحد أنضج أعماله... قبل أن يخرج «فولفر» (2006) الذي كان بمثابة عودة إلى الكوميديا وإلى كارمن ماروا بعد 17 سنة، وبينولوبي كروز بعد 6 سنوات. اتهم النقاد المودوفار باعجابه الزائد بنفسه، وهوليووديته، وحتى تسويقه الذاتي... يُنتقد على غياب محتواه السياسي مقارنه بغيره من المخرجين في ظلّ كل ما يحصل في اسبانيا من أزمات مالية واجتماعية. لقد بقي ألمودوفار عالقاً في تقاليد الـ «لا موفيدا». هل يرفض السياسة المباشرة أو حتى يرفضها من الاساس؟ هل هذا الرفض هو انغماس في ما بعد الحداثة كما يتهمه بعض النقاد أم انغماس في الحياة؟ ذكر مرة قال إنّه «يريد أن يعبّر عن قوة السينما ملء الوحدة والمساحات الفارغة في حياتك».



«ضغينة وشغف»: بدءاً من الثامنة من 24 أيلول (سبتمبر) حتى 29 منه ــ «متروبوليس أمبير صوفيل» (الأشرفية ـ بيروت) ــ للاستعلام: 01/204080