خلال الدورة الماضية من معرض بيروت، قالت نقيبة «اتحاد الناشرين في لبنان» سميرة عاصي إنّه لن يستطيع أحد سلب بيروت مكانتها كعاصمة للنشر العربي. كلام يوافق عليه مراقبون، لأنّ العاصمة اللبنانية نجحت في إدخال تعديلات على طرق النشر والترويج، علماً بأنّ الصين وإندونيسيا تحولتا في السنوات الماضية إلى مقصد لبعض دول الخليج التي تفضّل الطبع هناك نظراً إلى قرب المسافة وتدنّي الكلفة. لكن هل الأساليب المختلفة المعتمدة في بيروت هي السبب في فتح شهية الدور الأجنبية على التعاون معها؟صحيح أنّ المتغيرات التي طرأت على أساليب النشر في لبنان خلال السنوات الماضية ليست «ثورية»، إلا أنّ ما يميّز العاصمة ذلك الاحتراف في الترويج مقارنة بالمحيط العربي. الدور الكبيرة مثلاً تملك برامج خاصة لقاعدة بياناتها، تستند إليها المواقع الإلكترونية العالمية المعنية ببيع الكتب عبر الإنترنت مثل «أمازون. كوم» لأخذ المعلومات المتعلقة بالإصدارات وعرضها للزبائن.

الملاحظ منذ فترة هو ميل بعض الدور العربية إلى التعاون مع أخرى أجنبية. في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2008، اجتمعت «دار بلومزبري» البريطانية و«مؤسسة قطر» تحت اسم «دار بلومزبري – مؤسسة قطر للنشر». مثال آخر هو توقيع اتفاقية بين «دار الشروق» المصرية ومجموعة «بنغوين» البريطانية عام 2010، للتعاون في تعريب كلاسيكيات المجموعة البريطانية وترجمة أهم كلاسيكيات الأدب العربي إلى الإنكليزية. أما المثال الأبرز محلياً فكان «هاشيت أنطوان» التي جاءت ثمرة شراكة بين دار «هاشيت» الفرنسيّة و«مكتبة أنطوان» اللبنانيّة عام 2009. مثّل هذا التعاون امتداداً لـ«مغامرة النشر» التي بدأتها «دار نوفل» منذ 1970. يعيد رئيس مجلس إدارة «هاشيت أنطوان» إميل تيّان التعاون إلى أنّ «هاشيت» كانت تبحث عن حضور لها في روسيا والصين والعالم العربي، فيما كانت «مكتبة أنطوان» تريد التوسّع خارج لبنان، ورأت أنّ الطريقة الأفضل هي عبر دار نشر، علماً بأنّ الطرفين التقيا في مشاريع سابقة.
صعوبات كثيرة تواجه «هاشيت أنطوان» لأنّ السوق العربي «من أصغر الأسواق في العالم، ولا احترام للملكية الفكرية فيه، كما أنّ الدول لا تحارب السرقة والقرصنة». أما الإيجابيات، فتكمن في إفادة «أنطوان» من خبرة «هاشيت» والعكس صحيح، لإعطاء «قيمة إضافية (added value) لدار النشر». صحيح أنّ الفترة الماضية لم تكن سهلة على العالم العربي، لكن تيّان يؤكد «اننا نحاول الإفادة من طرق النشر واستراتيجية التسويق التي تعتمدها الدور الأجنبية، وتطبيقها قدر المستطاع، نظراً إلى صغر الأسواق وقلّة نقاط البيع».
في زمن النشر الإلكتروني، يعد عضو نقابة تيان بأنّ الكتاب الإلكتروني (ebook) سيكون ضمن استراتيجية «هاشيت أنطوان» لعام 2014، على أن تصبح كل الكتب الجديدة «متوافرة ورقياً وإلكترونياً، وتتحوّل كل الكتب الورقية الى إلكترونية تدريجياً». ويشدد على أنّ الشبكة العنكبوتية عنصر أساسي في سياسة الدار الترويجية.
إلكترونياً، تعتبر «النيل والفرات» تجربة رائدة في العالم العربي. بعد 15 عاماً من العمل، باتت أكبر مكتبة إلكترونية عربية تضم حوالى 450 ألف كتاب ورقي من لبنان، سوريا، الأردن، مصر والسعودية، وهي تبيع الكتاب الورقي عبر الإنترنت إلى الخليج وأوروبا وأميركا. لكن مع انتشار الكتاب الإلكتروني، أنشأت المكتبة موقع ikitab. مشروع قدّم «حلولاً متكاملة للمشكلات التي تعترض الكتاب العربي»، وفق ما يؤكد المدير التنفيذي لـ«النيل والفرات» صلاح شبارو. ويتضمن الموقع أيضاً «أكبر قاموس عربي ــ عربي، يضم أكثر من 85 ألف كلمة، مع إمكانية تسجيل ملاحظات والبحث عن الكلمات والصفحات...».
وبحسب شبارو، فإنّ الكتب الإلكترونية تشكّل اليوم 5% من نسبة المبيعات على الإنترنت، وهي تزيد بنسبة «100% كل عام». هذا بالنسبة إلى البيع بـ«المفرّق»، أما البيع بـ«الجملة» (جامعات، وزارات، مؤسسات) فيسجّل نمواً «أكبر»، خصوصاً أنّ أعداداً «لا بأس به من المؤسسات التربوية الخليجية أدخلت الكتاب الإلكتروني إلى منهجها التعليمي». ويؤكد شبارو أنّ حسنات الـ ebook كثيرة: «تسويقه وتوزيعه وتخزينه أسهل، وهو لا يحتاج إلى شحن لأنّه يُحمّل مباشرة عن الشبكة». ويتابع أنّ «النشر في العالم يتغيّر، لكن الكتاب الورقي لن ينتهي، بل سيقتصر على مختارات معيّنة».
يبدو شبارو متفائلاً بمستقبل النشر الإلكتروني في لبنان «رغم أنّه يتطلب نفساً طويلاً»، واعداً بأنّ ikitab سيحتوي ضعف العدد الموجود اليوم (7000) العام المقبل، مشيراً إلى أنّ على «وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان اعتماد الكتاب الإلكتروني، لأنّ علينا مواكبة التطوّر، كما أنّه أرخص على المدى الطويل. الجيل الجديد يعتمد على الألواح والهواتف الذكية».
رغم ضبابية المشهد السياسي والأمني العربي، تخرج تجارب جديدة تبشّرنا بمستقبل واعد للنشر يواكب السباق التكنولوجي الدائر حولنا، علّنا نستطيع اللحاق به!

يمكنكم متابعة نادين كنعان عبر تويتر | @KanaanNadine