بدا الرحيل المأساوي لأصحاب تجارب مميزة في الأدب والفنون المعاصرة علامة وسمت المشهد الثقافي لبلاد الرافدين في 2013.غيّب الموت في لندن ناظم رمزي صاحب الابداعات المتنوعة، فهو مصوّر، ومصمّم، ورسام، وأحد أهم المختصين في الطباعة في المنطقة العربية. وفي بريطانيا أيضاً، رحل «ابو تأريخ الأدب والنقد» العلامة يوسف عز الدين عن عمر ناهز 91 عاماً. وتوفي في عمان، المؤرخ حسين امين بينما ودعت «جامعة واسط» (جنوب العراق) عميد كلية الآداب فيها، الشاعر والناقد والمفكر رعد طاهر كوران. سيرة الموت بدأت باكراً في 2013.

في أوائله وبيوم واحد، رحل القاص والروائي فهد الاسدي والشاعر هادي الربيعي. مات الأسدي الذي رفضت الامانة العامة لمجلس الوزراء علاجه خارج العراق، وقابله في الطريق الشاعر الرقيق هادي الربيعي في كربلاء، وجاء رحيلهما شهادة أخرى على انحطاط المؤسسة الحكومية العراقية. وكان صباح 3 آب (أغسطس) يوماً مرعباً آخر من صباحات «عراق المآتم والخسارات». حمل خبر رحيل القاص عبد الستار ناصر في منفاه الكندي. وصدم اقليم كردستان برحيل أحد أهم مفكريه وكتابه فلك الدين كاكائي. وبعد أيام، رحل أبرز رواد الشعر الكردي الحديث شيركو بيكه س في أحد مستشفيات استوكهولم، ليدفن بحسب وصيته في حديقة عامة في السليمانية. وبصمت ينم عن قسوة وفظاظة، أُعلن في بغداد عن رحيل المفكر الكبير حسام الالوسي بعد معاناة مع المرض. ظلّ الألوسي بعيداً عن أعين المهتمين رغم أنّ اسمه محفور في ذاكرة الأونيسكو والعالمين العربي والاسلامي بنتاجاته الفلسفية الكبيرة، مثلما هو محفور في الذاكرة العلمية العراقية كواحد من الفلاسفة الكبار. وأخيراً، مات أحد أبرز معلّمي الحفر العرب التشكيلي رافع الناصري في منفاه في عمان.
على صعيد الإصدارات، تقصّت انعام كجه جي الطريق الى عراق آخر عبر رواية «طشّاري» (دار الجديد ـ بيروت) ولو تحوّل مواطنوه إلى «طشّار» وهي مفردة بالعراقية الدارجة، تعني ما صار متناثراً يصعب جمعه. وعن «دار التنوير» في بيروت أيضاً، صدرت «منازل الوحشة» لدنى غالي المقيمة في الدنمارك، وهي تنويعات عميقة على ثنائية الوطن ــ المنفى. وكتب ابراهيم أحمد في «ليلة الهدهد»، حكاية اليسار العراقي بتألقه وانكفائه. ورسم القاص والروائي عبد الله صخي ملامح مدينة «الثورة» الضاحية الفقيرة في بغداد، في المرحلة التي أعقبت الإطاحة بعبدالكريم قاسم عام 1963، ومطاردة الشيوعيين والتنكيل بهم وقتلهم واعتقالهم، عبر أحداث روايته «دروب الفقدان» الصادرة عن «دار المدى» في بغداد.ومن جيل الكتابة الروائية الاحدث، أصدر أحمد سعداوي «فرانكشتاين في بغداد» (الجمل). وقدّم شاكر الأنباري في «بلاد سعيدة» مفارقات الهارب من بلاده التي تخنقها «الديكتاتورية»، ليعود بعد ألم وهجرات ونفي ومكابدة الى بلاده «الحرة»، ليجد الخراب وقد غدا فسيحاً.
لم يكتب مثقف عراقي بوضوح عن «بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013»، مثلما كتب الشاعر هاشم شفيق العائد الى بلاده بعد عشر سنين على سقوط النظام، ليجدها «بهذا الحجم الهائل من الخراب والدمار». وأهمية تلك الكتابة جاءت من خلال مشاركة صاحبها في الحدث: حفل افتتاح بدا كأنه اقل من نشيد مدرسي ساذج في حب الوطن. وما خلص اليه شفيق أنّ «بغداد اليوم ليست عاصمة للثقافة العربية 2013، بل عاصمة للكراهية والإقصاء والخوف والقلق والسرقة والدم والبغضاء». يتفق كثيرون من مثقفي العراق داخل البلاد وخارجها على «أنّها كذبة كبيرة أن تكون بغداد عاصمة للثقافة العربية (...) إن من يتحكم بدفة الثقافة العراقية الآن هم ثلة من الحزبيين الأصوليين الذين جاء بهم الاحتلال والأحزاب الدينية المتطرفة الموغلة في حس النبذ والإبعاد لكل ما هو تقدمي ومتنور وحضاري».