في الوقت الذي وصل فيه الإخوان المسلمون إلى السلطة في مصر وتونس إثر ثورتين شعبيتين، يحتدم الجدل حول بديل إسلامي مشابه في سوريا. قد يكون هذا الجدل هو ما دفع «دار المسبار» إلى إصدار كتاب «الإخوان المسلمون في سوريا ـــــ ممانعة الطائفة وعنف الحركة» بطبعتين متتاليتين في أقل من خمسة أشهر. يعالج الكتاب الذي ضم عشر دراسات لباحثين مختلفين ظاهرة الإسلام السياسي، وتحديداً حركة الإخوان المسلمين. بدايةً، يدرس تأسيسها وعلاقتها بالمجتمع السوري وتأثيرها فيه، ودخولها اللعبة الديموقراطية خلال الخمسينيات، وانفتاح الجيل الأول على منطق الدولة والتعددية السياسية، ثم صراعها الدموي مع السلطة البعثية في الثمانينيات، وسقوط بعض تياراتها في فخّ العنف والعنف المضاد.
هذا قبل أن تهزم على يد النظام في سوريا، فتصبح معظم قيادات التنظيم في الخارج، ويختار بعض أفرادها الانخراط في الجهاد العالمي، إضافة إلى تحليل الرؤية المتبدّلة للحركة، في ما يخص مستقبل بلد مكوّن من فسيفساء طائفية وإثنية وعرقية شديدة التعقيد.
اعتمدت الدراسات على التحليل التاريخي لفهم سياق العلاقة بين الإخوان والنظام السياسي لتخرج بنتائج متشابهة تبرز معظمها الفرق بين أدبيات الحزب الإسلامي وممارسته وسلوكه، قبل وصول البعث إلى السلطة وبعده. الحركة تأسّست عام 1945 بعدما نجح مصطفى السباعي في دمج الجمعيات الإسلامية في سوريا. وقد انتخبه الإخوان السوريون مراقباً عاماً لهم منذ عام 1945 حتى عام 1961. في تلك الفترة، دخلت الحركة وفقاً للأكاديمي السوري رضوان زيادة في اللعبة السياسية وتأثرت بتقلباتها المستمرة والدائمة. في مرحلة ما بعد الانفصال عن مصر جمال عبد الناصر، تمكّن الإخوان المسلمون من الفوز بعشرة مقاعد في الانتخابات النيابية التي جرت في تلك الفترة، وحملت كتلتهم البرلمانية اسم «الكتلة التعاونية الإسلامية» التي ترأسها عصام العطار، وقد احتفظت بتأثير متوازن في علاقتها مع عبد الناصر، وتكيّفت مع واقع الانفصال القائم.
ويشير الباحث اللبناني فادي شامية إلى أنّ الحركة استطاعت بناء علاقات متينة بالمجتمع السوري في تلك المرحلة. أنشأت المدارس والمعاهد، وأصدرت الصحف، وأسست الجمعيات الخيرية والمستوصفات، كذلك أسهمت في إيجاد فرص عمل للعاطلين. وفي سياق مناخ الاعتدال التي عاشته الحركة آنذاك، يناقش الباحث في الشؤون الإسلامية عمار القحف التنظير الفقهي والسياسي عند الشيخ محمد مبارك الذي أثّر كثيراً في وعي إسلاميّي سوريا. كانت له رؤية خاصة في مفاهيم الأمة، والقومية، وتركيبة المجتمع السوري، ونظام الحكم والدولة في الإسلام، تفترض إشراك الأقليات وتحقيق المساواة وممارسة حرية الكلمة. إلا أنّ هذه الحقبة ستنقضي بعد بروز تيار يؤمن بالتغيير من طريق العنف حسب الباحث نجيب الغضبان، أفرزته شروط الإقصاء والممارسات القمعية. وقد تأثر هذا التيار بالروح الثورية لتنظيمات إسلامية، استمدت من الإسلام تبريراً إيديولوجياً لمقارعة الظلم، وتحقيق العدالة، وغذته قراءة خاطئة لكتابات سيد قطب وسعيد حوى وغيرهما. هنا، تأسست مرحلة من الصراع الدموي الشرس بين «الطليعة المقاتلة» (التيار العنفي في الإخوان) والنظام الحاكم في سوريا، نتج منها، ليس فقط تصفية الإخوان المسلمين، واعتقال كوادرهم بعد تنفيذ مجازر متبادلة، بل إفراغ المجتمع السوري من السياسة ومصادرة الفضاء العام لمصلحة السلطة القائمة، عبر إنهاء دور الأحزاب اليسارية والقومية التي كانت تعارض سياسات النظام.
يعرّج الكتاب عبر أكثر من دراسة على سِيَر أفراد من الإخوان المسلمين أدَّوا دوراً في حركة «الجهاد العالمي» أبرزهم «أبو مصعب السوري» الذي انشق عن الحركة الأم بعد أحداث حماه عام 1982 اعتراضاً على تحالف الحركة مع حركات وأحزاب علمانية، كالبعث العراقي. وانضمّ في عام 1992 إلى تنظيم «القاعدة» ليصبح على علاقة وثيقة بأبو مصعب الزرقاوي المتهم بتنفيذ انفجارات مدريد عام 2003.
ورغم أنّ الباحث المصري علي الشريف ناقش المشروع السياسي للإخوان المسلمين الذي أصدروه في عام 2004، ملاحظاً وجود أفكار جديدة في ما يتعلق بالدولة العصرية والدعوة إلى الحوار الديموقراطي والاعتراف بالآخر ونبذ التعصب والعنف، إلا أنّه رأى أيضاً أنّ التصور السياسي للجماعة يلجأ إلى العموميات، وهو غير ملتحم بأسئلة غالباً ما تطرح على الإسلاميين من مختلف الاتجاهات.
قد يساعد كتاب «الإخوان المسلمون في سوريا ـــــ ممانعة الطائفة وعنف الحركة» في اكتشاف الخريطة المعرفية والتاريخية والعقائدية لحزب تدور حوله الكثير من الشبهات والاتهامات، وخصوصاً في ظلّ الربيع العربي. مع ذلك، فهو لا يقدّم لنا أجوبة واضحة عن احتمالات دور الإخوان في سوريا الجديدة، وأي سلوك سينتهجونه لو وصلوا إلى حكم بلد يمثّل «موزاييك» اجتماعياً ودينياً وحضارياً معقداً، وخصوصاً أنّ أفكارهم ومشاريعهم السياسية المطروحة لم تمتحن بعد.