اصنع فيلماً عن الثورات العربية وستجد موطئ قدم في المهرجانات العالمية. الجمهور حول العالم متعطش لمعرفة الحاصل في العالم العربي، وأول عروض «البرليناله» في هذا الإطار كان وثيقة عن ثورة لم يوثّق لها أبداً! أفلام كثيرة صنعت عن الثورتين المصرية والتونسية طبعاً، لكن من سيصنع فيلماً عن الثورة اليمنية؟ أو بصيغة الحاضر، من صنع فيلماً عن الثورة اليمنية؟ الإجابة في برلين والعرض العالمي الأول لفيلم «الثوري المتردّد» من إخراج البريطاني شون مكاليستر، ضمن تظاهرة «بانوراما».
شهد The Reluctant Revolutionary حضوراً كثيفاًَ من الجمهور الألماني. طبعاً، الجمهور هو خاصية المهرجان، لكن هنا الأمر مختلف. هناك تعطش للتعرف إلى ما يعرف بـ «الربيع العربي»، لا بل إن الأمر سيكون مضاعفاً مع اليمن، حيث الثورة التي لم تنل الاهتمام الذي حظيت به الثورات الأخرى.
بناء الفيلم الوثائقي يعتمد أولاً وأخيراً على خيط درامي يتركّز على شخصية قيس، رجل يمني يملك فندقاً في صنعاء، أو وكالة سياحية تتولى شؤون السياح الغربيين الذين يقصدون اليمن. العلاقة الشخصية التي تربط المخرج بقيس آتية من كون مكاليستر سائحاً بريطانياً.
وصف الفيلم للثورة اليمنية بالمترددة آت من كون قيس وأشخاص آخرين حوله متردّدين في اتخاذ موقف من هذا الحراك الشعبي. في بداية الفيلم، يكون قيس ضد الثورة اليمنية، وموالياً للرئيس علي عبد الله صالح. وفي الزيارة التي يقوم بها مكاليستر في بداية الفيلم إلى ساحة التحرير في صنعاء، يصارح قيس صديقه المخرج بأنه ليس في وارد أن يكون مع المعتصمين في هذه الساحة، لكن سرعان ما يتغير ذلك، ويمضي الفيلم في توثيقه للثورة، وخصوصاً بعد الجمعة الدامية التي يصورها الفيلم بتفاصيلها المأساوية. سنكون شهوداً على توافد القتلى بالعشرات على المستشفيات، سواء تلك التي أقامها المتظاهرون، أو المستشفيات الحكومية، وكلّها إصابات قاتلة في الرأس أو الصدر. وسنتابع في الوقت نفسه تفاعل قيس مع تلك المشاهد المروعة. طبعاً، فقيس من المتضررين من الثورة لكون مصدر رزقه يأتي من قطاع يتعارض تماماً مع الفعل الثوري، أي السياحة، لكنه لا يجد بداً من الانخراط فيها.
يعتمد الفيلم في بنائه على شخصية قيس، وهو ما قاله المخرج قبل العرض. وهذا رهان يحتمل أن يكون رابحاً أو خاسراً، لكنّه لم يكن إلا ناجحاً بالنسبة إلى الجمهور الألماني، إذ راح يصفّق طويلاً لما تركه المخرج بعد العرض، حين جاء بقيس إلى المسرح ليشاركه الإجابة عن أسئلة المشاهدين. أتى قيس بكامل الزي التقليدي اليمني، بما في ذلك «الجنبيّة»، الخنجر اليمني الشهير!