على اختلافاتهم، جمعتهم بيروت طوال عام تحت سقف واحد، فكانت الحصيلة أخيراً أعمالاً تحكي عن علاقاتهم بالأمكنة ومتغيراتها المادية والحسية فيما حلّ طيف العاصمة اللبنانية ضيفاً على فضائهم الإبداعي. تندرج هذه الأعمال ضمن برنامج «فضاء أشغال داخلية» السنوي الذي أطلقته جمعية «أشكال ألوان» عام 2011 بهدف تطوير مهارات الفنانين الشباب الشكلية والتاريخية والنقدية. بحضور الفنانة الفلسطينية إملي جاسر كأستاذة مقيمة إلى جانب موجهين ومحاضرين، عمل 12 فناناً وفنانة من العالم على تطوير مشاريع شخصية ضمن سياق بحثي. والنتيجة، حضرت بيروت في نسبة كبيرة من الأبحاث، فكانت رمزاً للمدينة بكل متغيراتها المتصورة خيالياً وصوتياً. في فيديو بعنوان «الأبعاد في الصورة غير حقيقية»، قدّم الزميل روي ديب فيديو من 15 دقيقة متكررة على شاشتين حيث عالج فكرة الصورة المتلفزة للمدينة ومغايرتها للواقع، مستغرباً أن يعيش الإنسان حالة حنين إلى صورة متخيّلة.
المصري محمد عبد الكريم، استحضر المدينة نفسها عبر فيديو «الشيء الثالث» الذي يعدّ جزءاً من مشروع بعنوان «أدب الرحلات». وفي محاولة لإعادة «تعريف العنف»، شمل العرض مشاهد مطاردة بين شابين يتناوبان على دور الطريد والمطارِد، ومحادثة حول صورة الدم «الأزرق» الذي صار جزءاً من كوب الشاي اليومي.
جو نعمة المهتم «بالحسابات المرمزة داخل الصوت»، وجّه تحية إلى بيروت وطريقتها «الأكثر شعبية لاستهلاك المؤلفات الموسيقية المضخمة» أي السيارة عبر تجهيز فني صوتي بعنوان «ظاهرة أوتو - سنثسايزر». التبشيرات بالتقدم المجتمعي قدمها نعمة عبر طباعات رقمية لأشكال مغلفات حفظ الموسيقى عبر الزمن، كما عرض تسجيلات صوتية من فنانين مختلفين في تساؤل عن معنى اقتباس الصوت كنتاج إبداعي خاص. ويقدم جو العرض الأدائي الختامي «أوتوموبيل» عند الثامنة والنصف من مساء الثلاثاء 31 تموز (يوليو). في إطار الفن التفاعلي، ارتأى رافاييل فلورييه أن يقدّم تجربته كفرنسي مقيم في بيروت ومشارك في «فضاء أشغال داخليّة» عبر مناقشة مع عدد من الزوّار لمدة ساعة مرتين يومياً. وفي سياق اهتمامها بالتفاعل والاتصال عبر الفضاءات الفنية، اختارت سارة فرحات أن تشارك الزوار مشاريعها الجارية التنفيذ. هكذا، قدّمت نسخة تجريبية من «مجلة بيروت للتفعيل الراديكالي» و«مشروع بيروت للبطاقة البريدية»، إضافة إلى تقديمها سلسلة عروض أدائية (عام في يوم) في 20،26 و30 تموز.
في «حَلُّ المَحَلّ» فكرت سمر كنفاني في «الإنشاء البصري المتعدد العناصر» عبر 20 صورة فوتوغرافية لمشهد إنشاءات عمارية في مساحة تظهر من نافذة المحترف، مرفقة بتجهيز فيديو ومجسم. قصدت الفنانة بذلك أن تعالج موضوع «المدينة المتغيرة» والإقامة المؤقتة في مكان لا نلبث أن نهجره. في سياق مشابه، تختبر الفلسطينية القادمة من القدس نور أبو عرفة، مفهوم «المحو» و«آثاره التحويلية في هوية مكان معيّن»، عبر تجهيز شمل أريع شاشات لفيديو، صورت فيها أبو عرفة بناء جدار من مكعبات السكر لا يلبث أن ينهار، وشالاً صوفياً منحل الخيطان، وسلحفاة أمام ورقة خس لا تمسها في إشارة إلى المرتقب الذي لا يحدث. ودعّمت الفنانة عملها بمطبوعتين لصورة السلحفاة. أيضاً في محور المؤقت والمكان، يأتي عمل صبا عِنّاب. هنا عالجت الفنانة الفلسطينية الأردنية موضوع التغريب انطلاقاً من القضية الفلسطينية، مستندة إلى نصّ لهايدغر بعنوان «البناء، السكن، التفكير». عبر رسومات عمارية، طرحت عِنّاب سؤال «كيف نبني من دون أرض؟». وأبرز ما جاء في عملها كان رسماً مبنياً على خرائط غوغل للحدود اللبنانية والسورية والأردنية مع فلسطين ضمن نظرتها إلى السكن بتحوّله من المؤقت إلى الدائم. لمعالجة موضوع المادة اللامرئية والتحول، قدمت ماريا إيلينا فانتوني تجهيزين فنيين أولهما بعنوان «أكْل آينشتاين، ثلاثة منازل، كل ما كان في الداخل...» مبني على اهتمامات الفنانة الإيطالية بعمليات تكاثف الزمان والمكان. العمل الثاني شمل صوراً لعائلة وجدت على أرض منزل دمّر حديثاً، قامت فانتوني بدفنها بهدف تحللها وتغيير ملامحها. وقد حمل العمل عنوان «ما قد تراه إذا كانت عيناك تحت الأرض». من خلال الصور الشخصية وإعادة استخدامها، جاءت أعمال تمارا السامرائي مستكشفة مفهوم الغياب «كممارسة نشطة». الفنانة الكويتية قدمت تجهيز «غرفة الانتظار» إلى جانب «ورق جدران» الذي احتل جداراً كاملاً في المحترف، إضافة إلى طبعة رقمية بلا عنوان. وفي سياق الهم الجماعي، عرض هايغ بابازيان، عضو فرقة «مشروع ليلى»، مجموعة أعمال بعنوان «أبطال مرحلة انتقالية» تتابع «تمثيلات الرجولة والبطولة والاستشهاد في سياق مجتمع الشتات الأرمني في لبنان». شمل العمل الذي يطرح عمليات «فبركة البطل» عرض رسومات بالرصاص لرجال عراة في وضعيات مختلفة، وفيديو لشبان يقومون بحركات شد العضلات. وتزامن ذلك مع عرض يظهر بابازيان وهو يقرأ نصاً بالأرمنية حول مفهوم البطولة والتضحية، فيما يتلقى صفعات من مجهول. عمل المصري محمود خالد أخذ بعداً شخصياً أكثر في فيديو «الخامسة بعد الظهر» الذي يسبر العلاقات العاطفية. أما العمل الأخير فهو عبارة عن طبعة كروموجينية شملت صوراً لشبان يتدربون على مصارعة الثيران، حملت عبارة «تدريبات على تجربة لم تحصل قط».

برنامج «فضاء أشغال داخلية» (محترفات مفتوحة): حتى 31 تموز (يوليو) ـــ جمعية «أشكال ألوان» (جسر الواطي، بيروت) ــ للاستعلام: 01/423879 ـــ
http://www.ashkalalwan.org



برنامج شامل


يوفّر «فضاء أشغال داخلية» للفنانين المشاركين المكان والموارد الكاملة ضمن برنامج تعليمي شامل بإدارة كل من رئيسة جمعية «أشكال ألوان» كريستين طعمة (الصورة) وأمل عيسى كمديرة مساعدة. علماً أنّ «فضاء أشغال داخلية» هو برنامج مجاني، شهد هذا العام دورته الأولى بدعم أساسي من مؤسسة «فورد»، إضافة إلى العديد من المؤسسات والأفراد.