يعدّ الشريط الشائك صورة مألوفة لعيون سكان منطقتنا، وخصوصاً فلسطين ولبنان. ذلك الشيء المعدني الشرس حفظته المخيّلة كما ذاكرة السينما والفنون التشكيلية، وخصوصاً في أعمال الراحل الكبير ناجي العلي. تلك الأشياء التي ألفتها العين رغم عدم ألفتها، هي ما طوّعه اللبناني غسان غزال في معرضه IN) Tolerance) كاسراً صورتها المعهودة بخيار لوني غيّر واقعها. عند مدخل «غاليري جانين ربيز»، يقبع مجسّم ضخم لعقدة من شريط شائك بثقل معدني.
حادة الأطراف هي لولا لونها الزهري الذي يكسر حدتها ويسخّف وظيفتها وهويتها المألوفتين في الحرب، جاعلاً منها قطعة تنتمي إلى عالم لطيف وردي. بهذا التناقض بين حقيقة الهوية ومجازها، بنى غسان غزال فكرة معرضه صانعاً من العنوان هوية باحتمالين بين التعايش Tolerance ونقيضه Intolerance بالإنكليزية، إلا أنّه يعزل البادئة اللغوية in بين قوسين فيحتمل المعنى تأويلاً آخر بمعنى «في التعايش». يرتدي الشريط الشائك لوناً جديداً فضياً، فيما يتحول السياج الحدودي إلى نسيج ذهبي تزينه زهور برّاقة، أو يحلّق فوق الشريط سرب من الطيور الملونة في ما يشبه عالماً من الفانتازيا والخيال. يذيب الفنان هوية الأشياء عندما يقدّمها بصورة غير تلك التي تعرفها العين والذاكرة. وكما يذيب الشريط الشائك، يركن مجسّماً لرصاصة ضخمة في زاوية أخرى من المعرض تخترق جسدها المعدني ثقوب عدة تماماً كجسد مبنى نخرته الحروب. تلك هي «الرصاصة الميتة» التي يعيد غزال رسمها في لوحة أخرى من مواد مختلفة بعنوان «دمية روسية». تبدو الرصاصة البراقة في ما يشبه خشب اللعبة الروسية المعروفة محتلة خلفية من أسماء عربية لذكور نقشت بخط عربي بالأحمر، ربما كانت للدلالة على زوال رجال الحرب بمختلف طوائفهم أمام قدسية الرصاص. تلك القدسية يصفها غزال في تقديمه للمعرض، فيحيل أعماله إلى رمزية «تقديس المادية» بين «المقدّس» و«الدّنس». من هنا أيضاً، يتطرق إلى جسد المرأة و«المحرمات» في تناقض عبر ظلّ امرأة منقبة يغلّف جسداً أنثوياً، تماماً كما ابتلعت اللعبة الروسية الرصاصة في العمل المذكور سابقاً. ظل المرأة المنقّبة منخور الملامح هو أيضاً، فيما الجسد _ الهوية الحقيقية لا الغلاف، يقف هائماً في الوسط ضمن سلسلة بعنوان «دنس ومقدس». في هذه المجموعة، يترك غزال باقة ورد منمنمة مكان الأعضاء التناسلية الأنثوية مرة، ومرة يرسم عقدة بشريط شائك. لقد جعل غزال من خياراته اللونية باباً يفتح على تفسيرات عديدة للمادة بين الحقيقة والمجاز. في IN) Tolerance)، يدعونا إلى النظر بطريقة مختلفة إلى أشياء صارت مسلّمات في محيطنا اليومي وجزءاً من ذاكرتنا الاجتماعية والنفسية.



IN) Tolerance): حتى اليوم ــــ «غاليري جانين ربيز» (الروشة) ــ
للاستعلام: 01/868290