عمان | موجعةٌ القصص التي سردتها نوال اسكندراني رقصاً وأداءً على مسامعنا في عرض «هرسلة@فن. فقط» الذي قدِّم في «مسرح البلد» ضمن «ملتقى حكايا» في عمّان. تبدأ فصول العرض في 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 1987 يوم أعلن خبر وفاة الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، وتولي زين العابدين بن علي الحكم. سيطر الخوف يومها على عائلة نوال اسكندراني وغالبية التونسيين من «خطر صعود الإسلام السياسي إلى السلطة». صمتوا ولم يدركوا حينها أنّ لحظة صمتهم تلك ستدوم 23 عاماً. ربع قرن من القصص «الكافكوية» على حد تعبير نوال، شكّلت ذخيرتها حين قررت في شباط (فبراير) 2011 أن تشارك في مهرجان Danser à Tunis. لكنّها سرعان ما نسفت مضمون العرض الذي أصبح فجأة قديماً وقرّرت أن تمضي في نحت شهادتها الحية على مرارة تلك السنوات. «قليل من الوقت، كثير من الغليان» عنوانٌ يصلح لأيام التدريبات العشرة التي استثمرت خلالها نوال خبراتها الطويلة في الرقص والمسرح بصحبة الموسيقي والمغني جوهر باسطي. «لا قرارات مسبقة ولا وصفات جاهزة» تقول نوال لـ«الأخبار»، واصفة جوّ البروفة التي كان سيّدها الارتجال عزفاً ورقصاً وكلاماً. تركّز نوال في «هرسلة@فن.
فقط» على تجربتها الذاتية كامرأة ومثقفة وفنانة ومؤسِّسة «فرقة الباليه الوطنية التونسية» ومديرتها في عهد بن علي حتى عام 1996، لكنها لا تغرق في الخاص إلا لتنفتح على العام وتطلق الأسئلة القصيرة الحارقة في أذهاننا. هل رضينا فعلاً أن نعيش تلك الحياة وينحتنا الخوف على صورته؟ أجل، من منّا لم يصمت مجبراً أمام إهانات رجال البوليس؟ من منّا لم يمنح صوته في انتخابات مفبركة أو أُجبر على الانتساب إلى الحزب الحاكم؟
يُحسب لنوال أنها لم تصدّر نفسها بصورة الضحية، وتجنّبت أيضاً فخّ البطولة المتضخمة، وبذلك تجلّى البشريّ فيها على الخشبة، فحازت انتباه الجمهور الذي صفّق طويلاً حين أسقطت إطار الصورة الفارغ الذي شغل عمق المسرح طيلة دقائق العرض الستين، كما شغل حياة العرب طيلة عقود من الزمن.