«منذ قضية مختار ماي، إن أرادت المرأة أذا تصبح مليونيرة فكل ما عليها فعله هو أن تعرّض نفسها للاغتصاب ثم تخبر الصحافة». يحتوي هذا الاقتباس إهانة مبطنة ومباشرة للنساء واستخفافاً واضحاً بآلام مَن يتعرضن للاغتصاب في أي مكان في العالم، وتحديداً لمختار ماي، الباكستانية التي تناوب أربعة رجال من قبيلة ذات ترتيب مجتمعي متقدم على اغتصابها عام 2002.
لكن أن يكون هذا التصريح صادراً عن رئيس باكستان نفسه برويز مشرف حين كان على رأس الحكم، فهو أمر يضاعف مرارة المضمون وفداحته، ويوضّح الرؤية لمن يريد أن يرى مدى وعورة العمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وخصوصاً النساء.
بدلاً من الانتحار أو العزلة، اختارت مختار المضي في الطريق الوعرة، فقامت بمقاضاة مغتصبيها. ثم مضت تؤسس وتبني المدارس في باكستان لتحسين وضع النساء في بلادها. قصتها واحدة من سبع قصص حقيقية لسبع ناشطات في مجال حقوق المرأة، قامت بتدوينها وصياغتها إبداعياً سبع كاتبات عالميات عام 2007 ليكون المنتج النهائي عرضاً مسرحياً وثائقياً حمل عنوان «سبعة». جال الأخير على 11 دولة حتى الآن وتناوب على أدائه أكثر 300 ناشط وسياسي وإعلامي وفنان من مختلف أنحاء العالم. وأخيراً، حطّت مسرحية «سبعة» في عمّان ضمن عرضها العربي الأول على خشبة «مركز الحسين الثقافي».
بتعاون مع الكاتبة والممثلة لانا الناصر، قدّمت سبع ناشطات وفنانات من الأردن العرض، ومن بينهن الناشطة والحقوقية نبيلة مرقص المشاركة في المسرحية بدور الأفغانية فريدة عزيزي المناصرة لحقوق المرأة تحت حكم طالبان قبل أن تدفعها التهديدات المستمرة إلى اللجوء والعيش في الولايات المتحدة.
تجسد «سبعة» نموذجاً حياً ومستمراً لتوظيف الفن (المسرح) في الإضاءة على قضايا مجتمعية حساسة ذات أهمية متنامية (حقوق المرأة). وإن كانت الدول التي جرى جمع قصص «سبعة» من أفواه ناشطاتها تعاني من تدهور ملحوظ في نسبة الاهتمام بالمرأة وحقوقها البديهية في كثير من الأحيان (نتحدث هنا عن أفغانستان وكمبوديا)، فإن الحال ليست أفضل في الأردن التي تُعدّ من أكثر الدول إقليمياً التي تتعرض فيها المرأة للعنف الأسري والتمييز وصولاً إلى القتل بما يعرف بجريمة الشرف. وإن كانت مختار الباكستانية تمكّنت من مقاضاة مغتصبيها ومعاقبتهم، فإن المادة 308 من قانون العقوبات في الأردن تعفي المغتصب من العقوبة إذا تزوج الضحية. والحال لا تختلف كثيراً في العديد من البلدان العربية. وبالتالي، تغدو الحاجة ملحّةً لإشغال خشبات مسارحنا بنماذج مسرحية مماثلة.
على العكس من العديد من العروض العربية التي تتناول مسألة حقوق المرأة كمادة فنية، فإنّ «سبعة» لم يقدم قصصه في إطار إثارة الشفقة على أوضاع النساء في بعض دول العالم، لكنه ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فالألم مجرد ذريعة للعمل وتغيير الواقع، وهو ما يتطلب طاقة تحريضية هائلة يمتزج فيها الأمل مع الغفران، الأمر الذي لا يبخل العرض في إرساله إلى جمهوره بزخم. وهو ما تجسده أيضاً شخصية اينيز ماكورماك التي نشأت في ظل تربية بروتستانتية متشددة ولكنها تحدّت مجتمعها الإيرلندي فتزوجت من كاثوليكي ثم انبرت منذ الستينيات للدفاع عن حقوق الإنسان ولتطبيق العدالة الاجتماعية، وصولاً إلى مساهتمها في ما عرف باتفاقيات «الجمعة العظيمة» للسلام في إيرلندا عام 1998. وعن ذلك تقول اينيز التي تجسدها سمر دودين الفاعلة الثقافية ومديرة مؤسسة «روّاد التنمية» ضمن مقاطع المسرحية الأخيرة: «بعد 30 سنة من الصراع في إيرلندا الشمالية، اتعلمت إنو الإنسان لازم ما يغرق في آلامه الذاتية، ولازم يعطي مجال لمشاعره الإنسانية حتى يقدر يتفهّم الطرف الآخر».
وبذلك، يبدو استمرار إينيز في عملها ونضالها ترجمة عملية لكلامها، هي التي اعتادت التعرّض للتضييق ضرباً وتهديداً (لعبت الدور الممثلة الشهيرة ميريل ستريب في نيويورك قبل عامين). لا تنظر المخرجة والمنتجة السويدية هيدا كراوز سيوجرين إلى «سبعة» بوصفه عرضاً بسيطاً، بل تراه مشروعاً فنياً مجتمعياً ذا بعد عالمي ومحاولة جادة لولوج عالم «المسكوت عنه» وإخراج قضايا ذلك العالم إلى دائرة الضوء ليبدأ الحوار. مشروع ينتعش بإقدام المبادرات المجتمعية المختلفة على بناء الشراكات معه واستضافته وتقديمه لجمهور جديد على الدوام.
تقول هيدا مختتمة «دردشتها» مع «الأخبار»: «يتزامن عرضنا الأول في عمّان مع تقديمه أيضاً في قرية صغيرة في بلدي السويد تدعى Vaxjo، وهذا ما أحرص دوماً على تكريسه بجعل «سبعة» مشروعاً فنياً مستمراً ومتتابعاً يصل إلى أكبر عدد من الناس ويفتح حواراً لا ينتهي إلا بالإلهام والتحريض».

www.seventheplay.com