تأتي رواية «مغتربات الأفلاج» (دار فراديس ــــ البحرين) للسعوديّة بشائر محمد، على شكل مذكرات، يربطها حدث متوتر: مأساة فتاة سعودية وزميلات لها، يقذفن إلى الأطراف البعيدة لمزاولة مهنة التعليم، وما يصادفنه هناك من متاعب. العمل هو الرواية الثانية لمحمد، لقي استحساناً كبيراً في الصحف السعودية...تغوص بشائر محمد في تجربة بطلاتها إلى العمق، عارضة أمامنا قصة شريحة من النساء اللواتي يبحثن عن وظيفة تحميهن من اضطهاد الزوج. وتدور أحداث الرواية التي أثارت جدلاً بعد محاولة منعها من النشر، في محافظة الأفلاج جنوب السعوديّة.تقدّم محمد هنا مثالاً على النساء الثائرات على واقع المرأة العاملة، ومحاولتهنّ ترميم مجتمعهنّ التقليدي، كأنه خارج من القرون الوسطى. واللافت أن الرواية ـــ المذكرات، نشرت كاملةً في جريدة «الوطن» السعودية حيث تكتب مؤلفتها دورياً... ثمّ عادت رقابة المطبوعات في وزارة الثقافة والإعلام السعوديّة لتحظر نشرها، ما أثار جدلاً واسعاً. وجاءت نصوصها المبسطة والحكائية، مشبَعة بالنقد القاسي للمعاملة التي تقابل بها المعلمات وهن يذهبن لممارسة مهنتهنّ في الأطراف، حيث لا ينلن إلا الإجحاف. تسرد البطلة شيخة، وهي صنو المؤلفة، رحلتها مع العذاب، والخيارات التعجيزيّة: «بعد التخرّج من الجامعة، استجمعتُ كل أوراق تخرّجي ووثائقي وشجاعتي. وبدأتُ أطرق باب الوظيفة التي طالما رأيت فيها الخلاص من حالة اليأس والإحباط والحاجة والوحدة، حيث لم يسعفني ما لديّ من جمال قليل في أن أحظى بزوج حتى ولو كان بلا شهادة. وبدأت نظرات الشفقة تلاحقني بعد التخرّج حتى من والدي». كأنّ السعادة تكون من نصيب مَن تحظى بإحدى الحُسنَيَيْن (الزواج أو الوظيفة).
وللحصول على الوظيفة، تلجأ شيخة إلى رَشْو المسؤول الكبير، والمسؤول الصغير: «اتصلت بمَن يفترض أن يفتح لها الطريق: وكان خلوقاً وطيباً أخبرني أنه متبنٍّ (البنات) في كل قضاياهن، وخصوصاً قضيتنا، ويسعى إلى توظيف أكبر عدد منهن، وهذا المبلغ الكبير (الرشوة) ليس له، بل للمسؤول الكـ... بير الذي يقوم بالتوظيف». قس على ذلك من مواقف مخزية، حتى الوصول إلى العمل عبر رحلة صحراوية مهلكة إلى قرية ليلى التي قال سكانها إنها المكان الذي نشأت فيه ليلى العامرية، حبيبة قيس الملقب بـ «مجنون ليلى».
تسرد «مغتربات الأفلاج» الواقع المر الذي تعانيه العاملات في أطراف الصحراء السعوديّة، وما يطالهنّ من تعسّف واضطهاد. ومع أن هذه النصوص نشرت داخل المملكة، لم يتقدم مسؤول لرفع هذا الظلم والتحقيق في ما جاء في هذا الكتاب الذي فيه نبرة المرارة والإجحاف في حق نساء هن نصف المجتمع.