القاهرة | في الليلة السابقة لحضور ظافر يوسف إلى القاهرة، لتقديم حفلته الثانية على «مسرح الجنينة»، كانت مصر تشهد تفاقم أحداث الفتنة الطائفية في إمبابة. لكن «سينتصر الفن ولو لساعتين في حديقة الأزهر»، لأنّ «الموسيقى تقاوم دعاة الحياة في الماضي». هكذا قُدِّم ظافر يوسف (1967) إلى جمهور ضخم وشاب، في حفلة اختتمت «مهرجان الجنينة»، ونفدت تذاكرها قبل موعدها مساء الاثنين. من لم يحصلوا على التذاكر، لم يغادروا، بل ظلُّوا على الرصيف أو على هضبة المسرح. الفنان التونسي الذي هاجر إلى النمسا أواخر الثمانينيات باحثاً عن لحظة جنونه الخاصة، بدأ حياته مغنياً في الأعراس، ليصير واحداً من رموز موسيقى العالم. الجاز، «الشيء الآخر»، الصوفيّة المتمرّدة على التطبيق الرسمي للأديان، التمرد على القالب: تيمات يجسدها ظافر يوسف للجمهور الشاب، الحالم بنجاح مماثل يمكّنه من القفز فوق أسوار الحدود والمحليات الضيقة. كأنّ يوسف حلمٌ بالنجاة... أكثر منه عازفاً موهوباً.بأغنية من ألبوم «نبوءة رقمية» مطلعها «والله ما طلعت شمس ولا غابت/ إلا وذكرك متروك بأنفاسي»، افتتح يوسف حفلته. لم يُشغل الموسيقي التونسي بالغناء كثيراً، تاركاً البطولة ظاهرياً لفرقته الموسيقية التي تدور في فلك العود. تقلّب أداؤه بين الغناء والرقص والعزف والوجد، متقمّصاً حالة النشوة الصوفية... العازفون الثلاثة على البيانو والكونترباص والدرامز يملكون قدرات أداء متميزة، ظهرت أكثر في العزف المنفرد.
في ربيع 2010، تعرّض يوسف لهجوم شديد عندما غنّى بيت الحلاج الشهير «كفرت بدين الله والكفر عند المؤمنين حرام» في «مهرجان قرطاج». تجنّب يوسف التعليق على هذه الحادثة، لكنه اكتسب منذ ذلك الحين عادة شرح كلمة «كفرت» قبل غنائها، والمقصود بها «تسترت». وهذا ما فعله في القاهرة. لكنّ جمهوره كان قد استمع إلى ذلك البيت عشرات المرات من دون أن يحتاج إلى تبرير من يوسف.
يعزف صاحب «مسافر» بحيوية، تنتقل كالعدوى إلى الحضور، لترتد نوبات تصفيق ورقص، مع إمساكه الحسي بمفردات عالم روحاني. بتقنيته الصوتية الفريدة، يمسك بمدارات المقامات الشرقية الذائبة في الجاز، والمخترقة بإيقاعات هندية، محوّلاً صوته إلى آلة تملك التحليق إلى نوتات صوتية مرتفعة ومنخفضة. كأنّه يلخِّص رحلة الإنسان وعذاباته، وتوقه إلى الخروج من محبسه كجسد، من دون نفي هذا الجسد. ورغم أنّ ظافر قرر اختتام الحفلة بمختارات من ألبومه Abu Nawas Rhapsody، إلا أنّ الجمهور أجبره على الجلوس نصف ساعة آخر.