تونس | عندما يتجاوز الإرهاب كونه خطراً يهدّد المجتمعات ليصبح أداة، تتداخل الرؤى لدى الفرد فيصبح الاختيار عنده محصوراً بين السيّئ والأسوأ. وتتسارع الأحداث بشكل هستيري فتتداخل الحقيقة بالإشاعة، ويصبح الإعلام صناعة ووسيلة في أيدي السياسيين. هنا، يتغيّر المشهد وفق التعليمات وبحسب المصالح ويصير كل شيء جائزاً من أجل الوصول إلى السلطة.
من يحرّك من؟ ومن يصنع الحقيقة؟ ولصالح من كل هذا؟ هذه هي أبرز ملامح مسرحية «بلاتو» التي عُرضت أخيراً ضمن فعاليات «مهرجان قرطاج الدولي»، وأخرجها الممثل غازي الزغباني عن نص «نيكراسوف» لجان بول سارتر، ويؤدي بطولتها فاطمة بن سعيدان، ونجوى زهير، وغازي زغباني، وبشير الغرياني وآخرون.
المسرحية التي تنطلق بهدوء وبمشهد شخصين على مشارف البحر وتحت ضوء القمر، توحي بأنّ فحواها سيكون ربما رومانسيّاً وردياً، لكننا نُفاجأ لاحقاً بالدراما تغزونا وبالقتامة وتغطّي المشهد.
يساهم هذان الشخصان في إنقاذ شاب كان على وشك الانتحار غرقاً بعدما فكّرا في الاستفادة من ملابسه بعد الغرق (عقلية الانتهازية لدى التونسي وتجسيد لمقولة «الإنسان ذئب لأخيه الإنسان»). الشاب ليس إلاّ منصف فاليرا، أحد أكبر المحتالين في ذلك البلد والهاربين من العدالة لسنوات طويلة بفضل دهائه.
يستغل الشاب الأوضاع الراهنة وخبر هروب أحد الإرهابيين وانشقاقه عن المجموعة التي كان ينتمي إليها، فيتقمص فاليرا دور «أبي أتقى» ويوهم الناس بأنه هو من يبحثون عنه، وأنّ بحوزته أسماء شخصيات مهدّدة بالاغتيال من طرف هذا التنظيم الإرهابي الذي انتمى إليه سابقاً. عندها، تتكالب عليه التلفزيونات والشخصيات السياسية، وفي الوقت نفسه باتت تخشاه وتهاب تأثيره في المحيطين به. الشاشات تبحث عن الإثارة وتحقيق أكبر نسب المشاهدة وجلب المعلنين، والسياسيون يريدون استغلال الوضع للإطاحة بخصومهم بعيداً عن أي اعتبارات أخلاقية. إذ تقول «مدام بوعون» وهي إحدى المرشّحات للرئاسة: «يجب أن نجعل الشعب يخاف وأن نكون نحن الحل بالنسبة إليهم...».
من شاهد المسرحية رأى فيها إحالة مباشرة لحزب «نداء تونس» (الحاكم حالياً). فتلك السياسة التي اتخذتها «مدام بوعون» بما فيها البكاء «رحمة بالفقراء»، يذكّر بأحد خطابات الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي أثناء الحملة الانتخابية، حين «غلبته» الدمعة وهو يتحدّث عن إحدى الفقيرات التي لم تأكل اللحم منذ مدة.
يعرّي غازي الزغباني ورفاقه تجارة أصبحت رائجة في تونس بعد الثورة استطاع بعض السياسيين أن يصلوا بها إلى سدّة الحكم اليوم. فقد تحوّلت استديوات المحطات إلى حلبات صراع يتقاذف الحضور فيها والشتائم.
هكذا، يتحالف الإعلام والسياسة ليكوّنا قوّة تطيح بمن أمامها لتحقق مآرب ذاتية. فيفكك غازي الزغباني الصورة أو التحالف المصلحي بين الإعلام والسياسة، وإلى أيّ مدى يمكن أن يصل من دون النظر إلى مصلحة البلاد وشعبها
بالانتقال إلى المشهدية، فقد اتسم الديكور بالبساطة؛ بعض الأسوار والستائر التي توحي بالحواجز والعقبات التي يضعها السياسيون والإعلاميون أمام المواطن الذي قد لا تكون له دراية ولا أسلحة النقد والتفكيك، مع استعمال بعض مقاطع الفيديو خدمة لهذا العمل. وهناك تنويع في المقاطع الموسيقية التي راوحت بين الهدوء والصخب وبين البطء والسرعة، تُتابع تطوّر المسرحية وسرعة أحداثها وخطوات الممثلين الذين ملأوا المسرح ونزلوا عنه واقتربوا من المتفرجين.
الديكور الذي احتوى أيضاً عربة للتبضّع وكرسياً مزوّداً بالعجلات (من النوع الذي يجلس عليه المدراء) دليل على الحركة السريعة للأحداث السياسية في تونس، وعلى أنّ السياسة عموماً أصبحت بضاعة تُباع وتُشترى.