«بحثاً عن رئيس يُصنع في لبنان» (مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية) عنوان يعكس جوهر القضية التي يطرحها المركز، وهي كيفية إيجاد الوسائل الدستورية والسياسية المناسبة لتعزيز الخيارات الداخلية في انتخابات رئاسة الجمهورية، وتوسيع هامش حرية القرار اللبناني، ومحاولة الحد من التدخلات الخارجية في هذا الاستحقاق المصيري الذي يترافق دوماً مع أزماتٍ أدت إلى حالات شللٍ وتعطيلٍ في النظام السياسي.يجمع الكتاب بين الرؤية المستقبلية لانتخابات رئاسة الجمهورية، والقراءة التاريخية لمراحل الاستحقاق، وأدوار القوى الخارجية الدولية والإقليمية الفاعلة، وعرض العوامل التي تؤدي إلى «صنع» الرئيس، ويقدّم للقارئ اللبناني والعربي مزيجاً من الرواية الصحافية المشوّقة والأسلوب البحثي المعمّق والعرض الواقعي من وجهات نظر مختلفة.
يستوحي المركز من النظام الأميركي تعدد الآليات والمسارات الدستورية التي تحرص على إشراك الشعب في انتخابات الرئاسة وتوسيع الخيارات الديموقراطية، وفي الوقت نفسه توفّر ضمانات لعدم طغيان أكثريات عددية. إذ يدعو المركز إلى مرحلتين من الانتخابات الرئاسية: الأولى في المجلس النيابي بنصاب الثلثين في كل جلسات الانتخاب، وفي حال الفشل يُصار إلى انتخابات شعبية غير مباشرة. وتجري هذه الانتخابات بين المرشحَين اللذين نالا أعلى عدد من أصوات النواب في جلسة تُعقد خصيصاً لاختيارهما، على أن يكون لكل دائرة انتخابية أصوات مماثلة لحجم عدد نوابها. والمرشح الذي ينال غالبية عادية في الدائرة ينال كل أصواتها، ويفوز في الانتخابات الرئاسية المرشح الذي يحصل على أكثرية 65 صوتاً وما فوق من مجموع أصوات الدوائر الانتخابية في كل لبنان.
وفق ما أورد الكتاب، تحمّل فوائد هذه الآلية في انتخابات الرئاسة الشعب اللبناني مسؤولياته عن انتخاب الرئيس، لكنّها توفّر ضمانات لعدم طغيان أكثرية عددية طائفية أو مذهبية أو مناطقية على سائر اللبنانيين فيما لو كانت الانتخابات بالاقتراع الشعبي المباشر. وتضمن الآلية المقترحة حماية لبنان من المؤثرات السياسية الخارجية، والمرشحين من نفوذ القوى الخارجية، وهذا ما يعزِّز حظوظ المرشحين الذين ينتهجون سياسة مرنة ومتوازنة على الصعيد الداخلي ويتحلون بمواقف حكيمة على صعيد السياسة الخارجية.
في «بحثاً عن رئيسٍ يصنع في لبنان» أيضاً أسرارٌ من كواليس المفاوضات السرية واللقاءات الدولية والعربية تنشر للمرة الأولى عن المراحل التي سبقت ورافقت انتخاب الرئيس العماد ميشال سليمان بقلم الزميل نقولا ناصيف. حمل الفصل عنوان «اتفاق دولي إقليمي لبناني» حيث يروي قصة التوافق على ميشال سليمان مرشحاً توافقياً، وطرح المبعوثين الرئاسيين الفرنسيين كلود غيان وجان دافيد ليفيت اسمه على الرئيس السوري بشار الأسد في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، وتأكيد الاتفاق عليه مرشحاً توافقياً على هامش مؤتمر أنابوليس في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) 2007 في حديثٍ جانبي بين وزراء خارجية إيطاليا ومصر والولايات المتحدة ولبنان. ويشرح الكاتب أدوار القوى الخارجية عشية الموعد الدستوري لاستحقاق انتخابات الرئاسة عام 2007. وفي «الرئاسة في مهبّ الدول» الذي كتبه ناصيف أيضاً، رواية تاريخية لتدخلات القوى الخارجية الفاعلة في انتخابات الرئاسة؛ إذ يرسم لوحة لمحدودية دور اللبنانيين في اختيار رئيس جمهوريتهم مقابل أدوار فاعلة لكل من سوريا وفرنسا والولايات المتحدة ومصر والسعودية، وصولاً إلى الدولة الإقليمية الأحدث في الانخراط في معادلة الصراع السياسي الداخلي، أي إيران.
«أي رئيس لأي جمهورية»، «المتغيرات الدولية والإقليمية وصناعة الرؤساء» (1943ـــــ 2007)، «من يصنع الرئيس الثامن عشر» ثلاثة محاور تقع في صلب ملف رئاسة الجمهورية عالجتها مجموعة من الوجوه السياسية والإعلامية اللبنانية في سلسلة مقالات ضمّها الكتاب. وبطبيعة الحال، فهواجس الفراغ والانقسام كانت بارزة في مقالات المساهمين الذين قدموا قراءات تاريخية ومستقبلية لواقع رئاسة الجمهورية منذ الاستقلال حتى يومنا.
أهمية «بحثاً عن رئيس يُصنع في لبنان» أنه يتطرق إلى مسألة تقع في صُلب دور رئاسة الجمهورية اللبنانية التي يؤكد نائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس أنّها «رمز الوحدة الوطنية والمسؤولة عن تطبيق الرسالة التي فرضها علينا تاريخنا المتراكم».