يبتعد الروائي السعودي محمد حسن علوان (1979) في روايته الجديدة «القندس» (دار الساقي) عن كليشيهات الأدب السعودي ومقولاته المكرّرة. تغيب عن روايته مواضيع معاناة المرأة، والكبت الاجتماعي، وسطوة التقاليد الدينية، والقمع السياسي، المسيطرة على معظم الكتابات السعودية الجديدة... سطوة جعلت المدونة السردية في المملكة أسيرة خطاب روائي تنحصر مضامينه في تيمات معينة، أشبه بكليشيهات، لا تتطرّق إلى جوهر المحرّمات التي تفرضها التقاليد. في نصّه الجديد، يحرّر صاحب «طوق الطهارة» أبطاله من مأزق الأفكار الجاهزة، وينسج حيواتهم بعيداً عن الوعظ والتبشير. غالب، غادة، بدرية، وسلمان وغيرها من شخصيات الرواية، يعيشون تحت تأثير مشاكل المجتمع السعودي وسلبياته الكثيرة. لكنَّ ذلك لا يظهر في سياق السرد مباشرة، وبخطابية فجة، بقدر ما يظهر في سلوك الشخصيات وانفعالاتها. لا نجد في الرواية التي تمتد على ثلاثمئة وعشرين صفحة، مونولوجات شخصية وأفكاراً باهتة. سعى علوان في نصّه إلى تذويب المعطى المعرفي، داخل بنية روائية متماسكة، قسّمها إلى أربعين فصلاً، عبر لغة اتكأت على الجمالية، لكنّها لم تغال في البلاغة. غالب، الشخصية المحورية في النص، يلتقي بغادة أثناء زيارته لمدينة جدة، وتربطه بها في ما بعد علاقة حب. لكنّ الحبيبين سرعان ما يكتشفان صعوبة استمرار العلاقة. يعيش البطل أزمات وجودية وذاتية كثيرة، بعد زواج عشيقته بإحدى الشخصيات الدبلوماسيّة. تغيب غادة سنة كاملة، لتعود بعدها إلى البلاد، وتشعل النار من جديد في العلاقة المستحيلة التي تستمرّ على رغم إنجابها العديد من الأطفال.
هذا السياق السردي الشديد العادية، يأخذ منحىًَ أكثر عمقاً لاحقاً، وخصوصاً عند الكتابة عن العزلة التي يعيشها غالب في بورتلاند، بالقرب من نهر ويلامت، حيث يمضي وقته بين تعلّم صيد السمك والسهر في الحانات الليلية، وشقته المستأجرة. تعرّض غالب خلال مراهقته لحادث سير أدّى إلى تشوه في وجهه. من منفاه البعيد، يبقى على تواصل مع غادة عبر الهاتف، حتى تفاجئه بقرار زيارتها لمحل إقامته، بهدف تدبّر شؤون دراسة ابنها. لكنها بسبب خلاف يقع بينها وبين زوجها، تقرر العشيقة السابقة البقاء في بورتلاند، لحين اقتناع زوجها بضرورة تلبية مطالبها. تقيم في شقة غالب مدة شهر قبل أن تعود إلى زوجها من جديد. خلال هذه الفترة، يختبر غالب تفاصيل العيش مع حبيبته، ويكتشف أنّ الأمر برمته كان عبارة عن نزوات عابرة. يورد علوان هذه التفاصيل، من دون أن يتدخل علوان لشرح سلوك أبطاله أو تفسيره. يستمر في ممارسة صنعته روائياً من خلال الاكتفاء بسرد الأحداث ومعالجتها فنياً.
يعود غالب في نهاية الرواية من بورتلاند إلى الرياض، بسبب موت أبيه ليتقاسم الميراث مع إخوته. لكن ما حصلوا عليه، كان أقلّ مما يتوقعون... إلا أنهم تقاسموه وتفرقوا، وعاد كلّ منهم إلى حياته الخاصة. يستدخل الكاتب إلى مناخات روايته العديد من الشخصيات، بدءاً من والدي غالب اللذين انفصلا خلال طفولته، ليستقل كلّ منهما في حياة زوجية جديدة مع شخص آخر. نمرّ أيضاً على سلمان، الأخ الأكبر الذي يحظى بمعاملة خاصة من والده، والذي يهتم كثيراً بالعمل والتجارة. إضافة إلى الأختين بدرية ومنى: يسيطر التديّن وشعائره على حياة الأولى، فيما تبقى الثانية حائرة بتمردها الذي يجعل تأقلمها مع المجتمع أمر صعباً.
تتعدد الخيوط السردية للرواية تبعاً للمكان الذي يحضر فيه غالب، أو للزمان الذي يستعيده بذاكرته. تنتقل حركة السرد بين أميركا والرياض، وبين سنوات الصبا التي عاشها الشاب السعودي مع غادة، وسنوات البحث عن الذات وإيجاد هدف في الحياة خلال فترة العزلة. عنوان «القندس» منسوب إلى الحيوان الذي يعيش على ضفاف الأنهار ويمتاز ببطء الحركة، في إشارة رمزية إلى شخوص الرواية الذين جعلهم مجتمعهم أسرى واقع محاصر، تتحرّك مشاعرهم في أجوائه ببطء شديد. أراد الروائي السعودي أن يقول إنّ وظيفة الكتابة ترتبط بالتقاط أثر المجتمع على الشخصيات المتخيّلة في النص، وسرد سلوكها، لا تحليل هذا المجتمع ومعالجة مشاكله، فتلك مهمة تترك لعلماء الاجتماع والأنتربولوجيا.