وقال بعضهم حرفياً إنّ رائحة الدماء أبشع من رائحة «الزبالة»، فالأخيرة يمكن تحمّلها، بينما الأولى قد تدفع الشارع اللبناني إلى طريق لا يريد المصريون وباقي شعوب الربيع العربي أن يروه في بلد عربي جديد. أما الصحافة المصرية المتهمة حالياً بمعاداة كل حراك ثوري، إلى جانب هوسها بـ«الترافيك» أي زيادة معدلات القراء من دون مراعاة للقواعد المهنية، فإنّها تعلم جيداً أنّ نقل التجربة اللبنانية إلى مصر ليس بالأمر المحمود من جانب النظام. اللافت أنّ بعض البرامج والصحف تابعت قضية انتشار القمامة في شوارع مصر، لكن بالهجوم على المحافظين ورؤساء الأحياء، من دون ربط ذلك بأزمة عامة تشهدها مصر التي احتفلت بافتتاح قناة جديدة بالسويس، لكن حكومتها لا تزال عاجزة عن تخليص مدن كالقاهرة والإسكندرية من تلال القمامة.
الهدف كان ربما التحذير غير المباشر من غضب الشعب بسبب انهيار الخدمات كما حدث في لبنان، لكن المتكرر دائماً هو تلخيص الأزمة اللبنانية في قضية انتشار القمامة كأنها كل شيء وليست فقط صورة لتفاصيل أكثر لم يتابعها المصريون عن قرب، إما لانشغال الإعلام بالقضايا المحلية أو لأنّ المواقع الالكترونية تداعب غرائز مستخدميها ولا ترى في ثورة اللبنانيين سوى «المزز» أو الفتيات الجميلات بالتعبير الشعبي المصري. وقد تفاعل الأمر على مواقع التواصل، حتى كاد أن يتحوّل إلى حرب «مصرية لبنانية» حيث نشرت ناشطات فيديو ردّت فيه على الأسلوب الذكوري في الإعلام كما لدى الناشطين المصريين في مقاربة ما يحدث في بيروت.
تحذير من مغبة تكرار
سيناريو «الربيع العربي»
الاهتمام بالهامشي تكرر مع زيارة أمل علم الدين كلوني لمصر، لحضور النطق بالحكم على الصحافي المصري الكندي محمد فهمي. تركت الصحافة القضية نفسها والظلم الذي تعرض له صحافي «الجزيرة إنترناشونال»، وركزت على أن «خاتم» كلوني جذب الانتباه في قاعة المحكمة. سياسة «صرف النظر» عما يحدث في العمق هي ملخص ما ظهر في الصحافة المصرية عن تظاهرات بيروت، والأهم أنّه سياسة يسير عليها الإعلام المصري لصرف الرأي العام عن عمق ما يحدث.