قضية إقفال «منصّات»، ما زالت تتفاعل في الأوساط الإعلاميّة. المسؤولة السابقة للصفحة العربية في الموقع، ترى هنا أن عوامل وأيادٍ كثيرة وراء خراب هذه التجربة النموذجيّة في الإعلام العربي البديل
ريتا باروتا
عملتُ في موقع «منصات» سنة ونيّف، وكنت مسؤولة عن الصفحة العربية فيه. لكني هنا لست في صدد الحديث عن هذه المسؤولية، بل سأكتفي بسرد بعض الحقائق. بدأ الموقع في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، وكانت الإعلامية نضال أيوب آنذاك مديرة التحرير. غير أنها بعد أسابيع، تركت هذه المهمة، وانتقلت إلى تلفزيون «أخبار المستقبل». لعلّها وجدت في المحطة ما عجزت عن إيجاده في «منصات»، رغم أن إيمانها كان كبيراً بالموقع عند بداية العمل...
مع ذلك، كان هناك دائماً من يطمئننا إلى حال «منصات»، وإلى أنّ مؤسسة «الصوت الحرّ» لن تترك الموقع... وستكون هنا دائماً. السؤال الذي يؤرّق ضميري اليوم هو: لماذا يرى اللبنانيّون دائماً، أن الحلول لمشكلاتهم يجب أن تأتي من الخارج؟ لماذا نفترض أن الشرط الأساسي لإطلاق منبر إعلامي مميّز، هو وجود مموّل خارجي يدعمه؟ لمَ لا نطرح التساؤلات، بدلاً من أن تبرق عيوننا عندما نسمع حجم المبلغ الذي رصد لتمويل المشروع؟ لماذا تدفع جهة معيّنة، مثلاً، 300 ألف يورو، لدعم موقع إعلامي من لبنان؟ ألا يخطر ببالنا أبداً أنّ هذا المموِّل يريد شيئاً في المقابل؟ أو أنه ببساطة يملك الحقّ في وقف التمويل؟ في غياب بُعد النظر هذا، يصبح من أسهل الأمور أن نشتم اليوم المموّلين ونصفهم بأبشع الألفاظ.
لقد كانت وزارة الخارجية الهولندية، ومؤسسة «الصوت الحر»، واضحتَين في ما يتعلق بتمويل «منصات»: نموّل المشروع لمدة سنة. وبعدها، على الموقع أن يبحث عن مصادر تمويل أخرى. ووقعت الواقعة، وهجر الموقع، قبل إقفاله بأشهر، من جانب بعض مؤسسيه: غرت فانلغندونغ (محرر الصفحة الإنكليزية) وكاتبة هذه السطور.

لا يمكن الآخرين أن يقدّموا إلينا الديموقراطية والأموال في مغلّف واحد

وحين كنت أسأل أؤلئك المثابرين على العدم، عن سبب عدم استقالتهم من الموقع بعد، كانوا يجيبون: «يمكن بعد فيه أمل». يقال إنّ نفوراً بين مدير مؤسسة «الصوت الحر» ومالك موقع «منصات»، هو وراء انفجار الأزمة، وإن الأوّل عمد إلى عدم تحويل الأموال في الآونة الأخيرة، وحاول إرسال أشخاص إلى لبنان، بهدف تعميق الهوّة بين العاملين في الموقع. طبعاً هذه مجرّد افتراضات لا دليل على صحّتها. ولست اليوم في صدد الدفاع عن أحد، وخصوصاً أيّ ممول، أكان هولندياً أم تركياً أم أميركياً. لكن علينا أن ننظر إلى أنفسنا في المرآة، ونسأل عن قسطنا من المسؤوليّة الأخلاقيّة والمعنويّة في الأزمات التي تحاصر الإعلام المستقل والإعلام الحرّ في لبنان والعالم العربي...
الآن في إمكاني القول إنّ «منصات» مات منذ أشهر، حين كان يتأخر أشهُراً عن دفع مستحقات المستكتبين، وحين كان عليّ أن أستجدي الملائكة والأنبياء، لأختلق عذراً أشتري به بعض الوقت. مات حين اختلطت الأدوار بين مالك الموقع ومموّله. مات حين بدأ الكلّ يخاف على «معاش آخر الشهر المغري»، متناسياً أن ما جمعنا يوماً كان المشروع أوّلاً وأخيراً!
لم يكن إعلان الإقفال بمثابة الفاجعة، أقله بالنسبة إلى الذين واكبوا ما كان يدور في الكواليس. هذا ما يحصل حين نصدّق أنّ الآخرين يمكنهم أن يقدّموا إلينا الديموقراطية والوسيلة والأموال، في مغلّف واحد. هذا ما يحصل حين نكتّف أيدينا، وننتظر أن يهبط علينا الفرج من علٍ.
وخلافاً لما كتبه مالك الموقع سامر معضاد في الموقع الإلكتروني لـ«الأخبار»، تعقيباً على مقالة ليال حدّاد في جريدتكم، تحت عنوان «بين حزن واستغراب... ماذا وراء إقفال منصات؟» (عدد الأربعاء 2 أيلول/ سبتمبر 2009)، ليس كل ما يقال شائعة! ولكن ليس كل ما يقال هو الحقيقة كاملة! كانت فعلاً تجربة كبيرة علينا بمعنى ما. وليتحمل المسؤولية كل من كان له يدٌ ـــــ وهم كثر ـــــ في خراب هذا الموقع الذي وصل فعلاً إلى كل بلد عربي، وكان صوتاً لصحافة عربيّة بديلة ممنوعة من الوجود حتى إشعار آخر...