إنّها الأكثر انتشاراً في العالم العربي اليوم، لكنّها لن تبقى طويلاً بمنأى عن عاصفةٍ طالت رأس المال الخليجي الذي ينتج ويموّل ويسوّق
منار ديب
ليست الدراما التلفزيونية السورية ظاهرة فنية فحسب، بل هي حقيقة اقتصادية، وواحد من أهم الصادرات السورية. ورغم ذلك، لم تتحوّل بعد إلى صناعة بالمفهوم التقليدي والاقتصادي، وذلك بسبب افتقادها للأطر التنظيمية، إضافة إلى تأثرها المتزايد برأس المال الخارجي.
سوريا إذاً، وإن كانت منتج الدراما الأكثر انتشاراً عربياً اليوم، إلا أنّها شديدة الاعتماد على أماكن العرض غير السورية، أي الفضائيات العربية، الخليجية أو ذات التمويل الخليجي تحديداً. وهذه الفضائيات أصبحت الآن مساهماً أساسياً في الإنتاج. وإذا كانت ليبيا تحاول في الآونة الأخيرة الدخول إلى سوق الإنتاج الدرامية والعرض الفضائي من خلال قنواتها الجديدة، إلا أنّها لم تصبح بعد لاعباً مؤثراً. أما الإنتاج الحكومي فقد تراجع كماً ونوعاً، ولا يبدو افتتاح قناة الدراما السورية مبشراً بأي تغيير، لأنها ببساطة لن تكون قادرة على شراء العروض الأولى للمسلسلات ضمن إمكاناتها الحالية، كما لم تطرح نفسها طرفاً منتجاً.
الدراما السورية التي عانت من أزمة تسويق في رمضان 2007 عادت لتشهد انتعاشاً السنة الماضية، وقد وفرت فرص عمل لسبعة آلاف شخص، كذلك ظهر ما يشبه الطبقة الاجتماعية مؤلّفةً من العاملين في قطاع الدراما، وخصوصاً في دمشق.
آثار الأزمة الاقتصادية العالمية وصلت متأخرة إلى الاقتصاد السوري، ولم تظهر بعد على الإنتاج الدرامي السوري، إذ إنّ عدداً كبيراً من الأعمال تُنتج حالياً. لكن يبدو أن معالم الأزمة لن تتأخّر في الظهور تبعاً للإسهام الخليجي في الإنتاج وحجمه، ومن خلال فرص التسويق.
يرى زياد غصن مدير تحرير صحيفة «الخبر» الاقتصادية السورية أن الأزمة «عالمية»، أيّ إن كل جوانب الإنتاج في العالم ستتأثّر بها، وإن كان ذلك بنسب مختلفة. ويشرح غصن أنّ أهم مظهر للأزمة هو الركود الذي يعني انخفاضاً في الإنتاج نتيجة ضعف التسويق، وسعياً إلى خفض التكاليف والأجور أو تسريح العمال. ويقول: «في الدراما سيحدث تأثر على صعيد الطلب، وفي أسعار المنتج، وخفض الطلب على المنتَج، فالفضائيات تعتمد على الإعلانات، وبعضها ينتج المسلسلات. قيمة الإعلان اليوم انخفضت لأن الشركات تقلّل نفقاتها، وهذا يعني بالتالي نقصاً في إيرادات المحطات الفضائية». لكن غصن يعتقد أن للإنتاج الدرامي السوري ميزةً تنافسية، إذ إنّه مع انتشاره الكبير ذو «كلفة معقولة وهامش ربح جيد للمنافسة، إلا أن الطرف المسوِّق هو من سيتأثّر بهامش الربح الضخم». في هذا الإطار، يعلن أنّ الشركات الخليجية المنتجة والفضائيات لن تستطيع أن توفر الميزانية نفسها التي كانت السنة الماضية.
أما بخصوص شركات الإنتاج السورية، فيقول زياد غصن: «هذه الشركات ليس لديها شفافية حتى نحكم عليها، لا في رأسمالها أو حجم أعمالها وتمويلها، وحجم مبيعاتها الخارجية. وهي إن لم تعتمد على تمويل خليجي، فإنها تعتمد على تمويل خارجي من البلد نفسه، أي تمويل مصرفي». وينذر بأن الشركات الصغيرة لن تكون قادرة على إنتاج عمل يسوَّق خارجياً. ويدعو إلى تأسيس اتحاد للشركات الإنتاجية الدرامية لبلورة شفافية التمويل وتحديد نوع المساعدة التي يمكن تقديمها.