علي فوازسندّعي أن «العربية» لم تستهدف المعارضة ولم تسعَ إلى تشويه صورة حزب الله، وأن مديرها عبد الرحمن الراشد يفصل بين رأيه الشخصي المعادي للحزب، وما تفرضه المهنة من احترام للموضوعية. وباستطاعة المشاهد أن يصدّق ـــ أو لا يصدّق ـــ وليد الإبراهيم (صاحب مجموعة mbc الذي كان مقرّباً من الملك فهد)، عندما يقول: «نحن لا نعتمد مهاجمة أحد ولا اللعب على وتر العواطف، بل محاولة نقل الحقيقة بقدر ما نستطيع». سنتجاوز ذلك النقاش، لأن وائل عصام الذي عرفناه صحافياً لافتاً في أدائه المهني، وخصوصاً خلال حرب العراق وعدوان تموز، هو نفسه من أعدّ التحقيق «المُغري» بعناوينه والمثير للجدل بهدفه، عن الدور الذي يقوم به حزب الله في طرابلس عبر محاولات التشييع، كامتداد لمشروع ولاية الفقيه وتصدير الثورة الإسلامية «الشيعية». الإعلانات عن الحلقة التي بُثَّت ليلة أول من أمس، كانت تفتح الشهيّة للاطلاع أكثر على الأدلة التي تكشف عن «تورّط» الحزب، وخصوصاً أن التحقيق يعرض وجهات نظر مختلفة ويعطي التيارات السلفية السنية المتحالفة مع حزب الله، فرصة الردّ على الأسئلة التي أثارها عصام، وعلى اتهامات الطرف الآخر.
ونقتبس من وليد الإبراهيم، لنسأل: هل نجح وائل عصام في «محاولة نقل الحقيقة، بقدر ما يستطيع»؟ لا شكّ بأن التحقيق قد وفّر للمشاهد فرصة الحكم جزئياً على الآراء المتعارضة التي سيقت. لكنه في الوقت نفسه، فوّت استجلاء بعض علامات الاستفهام، وأثار الغموض في نقاط مهمة. فلقد تمحور التحقيق حول أمرين، ادُّعي أن حزب الله يقوم بهما في طرابلس: محاولة تشييع أهل السنّة، وتدريبهم عسكرياً لمقاتلة «يهود الداخل السنيورة والحريري» كما ادّعى الشهود! يظهر سيف الدين الحسامي، المنشقّ عن جبهة العمل الإسلامي، عارضاً وثائق صودرت ـــ بحسب قوله ـــ من مكتب الحزب في طرابلس. وهي موّجهة من إيران إلى حزب الله، وتدلُّ على نية الحزب إقامة دولة عبر أموال مخصصة لطرابلس. يعود ويقول الحسامي لاحقاً إنها تعود إلى عام 1987! (بالمناسبة، لماذا يحتفظ الحزب في مكتبه بطرابلس بوثائق سرية كهذه؟).
كاميرا التحقيق لم تساعدنا على التدقيق، ولم تفلح العدسة («الزووم») في الإحاطة بالوثيقة كلها. وبما أنها أدلة دامغة، كان من الأجدى أن تُعرض بالنص الكامل على الشاشة بكل ما تتضمنه. نقول ذلك لأن وثيقة أخرى عرضت، تتضمن أسماء الذين جرى تشييعهم، لكن الكاميرا لم تعرض الأسماء! بل جرى تركيز «الزووم» بشكل قريب جداً، بشكل أمكن رؤية خانة مدوّن فيها بعض المهن (ويفترض أنها مهن المنتسبين إلى الحزب) وإلى جانبها خانة كُتب فيها «حزب الله».
واللافت أنه في ما أكد داعي الإسلام الشهال على وجود 150 عائلة جرى تشييعها، رأى مصطفى علوش أن حركة التشيّع محدودة جداً. يعود الشهال بعد ذلك ليؤكد أمراً آخر، وهو أن «بعض أهل السنّة «باتوا يشككون في الصحابة ويطعنون بعائشة». وهو ما نفاه رجال الدين الآخرون الذين شملهم التحقيق مثل هاشم منقارة وبلال شعبان، إضافة إلى جميل رعد، وهم من جبهة العمل الإسلامي. ويبقى السؤال: إذا تجاوزنا مسألة طرح موضوع كهذا في هذا التوقيت، والهدف منه، فيما تعيش طرابلس على صفيح يحترق... ألم تكن تستحق معالجة هذا الملف الخطير جداً، تدقيقاً وبحثاً ووقتاً أطول من منطلق مهني، أم إن «العربية» تسعى فقط إلى الفتنة؟