تحليلات باردة، وساعات طويلة من البثّ المباشر الذي فقد هيبتَه مع الوقت... ألم يكن يستحق هذا اليوم برنامجاً تلفزيونياً أكثر حيوية، بدلاً من انتظار المواكب لتعبر الحدود من الصباح وحتى المساء؟
علي فواز
كنّا ننتظر أن نرى سمير القنطار محرراً، وأن نحتفل بهذه الصورة التي لطالما بقيت افتراضية من دون أن تبارح حدود الخيال. كان من الصعب أن نستعيد صورته من وراء القضبان، بعدما تواصلنا معه لعقود من خلالها.
حدث ذلك على غفلة منّا عام 2000 أيضاً عندما وضعتنا إسرائيل فجأة أمام لحظة تاريخية احترنا كيف نتعامل معها.
هذه المرة، كان لدينا الوقت. حضّرت وسائل الإعلام نفسها لاجتياز حلم بقي لعقود عصياً على الواقع، لكن من قال إننا أردنا أن نتجاوز الحلم؟ نحن أردنا أن نعيشه وننتشي بكل لحظة من لحظاته، ولأجله شحذنا مشاعرنا للعبور إلى انتصار جديد. أردنا أن نحتفل، أن نفرح ونغني، أن نستعيد “وطن” مارسيل، و“إسوارة” فيروز، و“ثورة” جوليا... وكل المراكب البحرية، لكن وسائل الإعلام حرمتنا ذلك. لماذا؟ لا نعرف، لكن بتنا نعرف الآن أن تلك الوسائل أعطت نقل الحدث طابعاً خبرياً أكثر منه عاطفياً ووجدانياً، وفجأة نسينا الموروث الذي لطالما تغنينا به وغنينا من أجله أجمل الأغنيات و“أجمل الأمهات”، وانزوت أغنيات الجنوب والمقاومة بمعزل عن احتفالاتنا، فلمن كدّسنا هذا الفن إذاً وغلفنا الشعر بالموسيقى على مدى عقود؟ وإذا لم نستحقه اليوم فمتى نستحقّه؟
«الاحتفال اللبناني بالنصر الكبير» على حد وصف قناة «الجديد» بقي احتفالاً محصوراً ببقعة محددة في الناقورة والضاحية الجنوبية، لكن لم ينعكس هذا الأمر على الشاشة، والمشاهد الذي وجد نفسه مدعواً إلى احتفال تاريخي، قد يكون آخر عهد الاحتفالات الوطنية، لم يقع إلا على مقابلات وضيوف وتقارير وبثّ مباشر فقد هيبته مع مرور الساعات. لكن ألم يكن يستحق هذا اليوم برنامجاً أكثر حيوية، بدلاً من انتظار المواكب لتعبر الحدود من الصباح وحتى المساء؟ حيوية تعيد الدم إلى شرايين حماسنا بعدما تثاءبنا مرات ومرات أمام العديد من التحليلات الباردة التي لم ترق إلى مستوى يوم تاريخي حار؟ وسائل الإعلام نقلت الاحتفال، لكنها لم تحتفل، ولم تتحول في هذا اليوم إلى وسيلة تفاعلية، إلا في حدودها الدنيا. فالمشاهدون ـــــ أو بعضهم ـــــ ممن لم يتسنّ لهم الحضور إلى قلب الحدث، من داخل لبنان أو خارجه، منّوا أنفسهم على الأقل بأن يكونوا حاضرين عاطفياً. هم أيضاً انتظروا هذا اليوم الطويل كي يكون استثنائياً. ومن لم يجد مبتغاه على «العربية» وLBC اللتين غابتا لساعات عن الحدث، لم يجد يداً ممدودة للاحتفال أيضاً على القنوات الأخرى التي تعلن بوضوح وقوفها إلى جانب خطّ المقاومة.
فقط انتظرنا، لم نغنِّ ولم نحتفل، وبدلاً من ذلك ملأ المراسلون ومقدمو التغطية رؤوسنا بكلمات مفخمة عن «اليوم التاريخي» و«يوم النصر». وسائل إعلامنا لم تستعن حتى بفواصل من أغانٍ وطنية بين الفقرات أو على أعتاب الإعلانات. لم تتخذ شعاراً لهذا اليوم، لا صورة تتخللها أغنية، لا علم. نتذكر شعار «صامدون» الذي اتخذه «الجديد» خلال حرب تموز مترافقاً مع مقطع «صامدون» لغنائية مرسيل خليفة «أحمد العربي»...
لم تفك وسائل الإعلام أسر أغنياتنا إلا لحظة وصول سمير، فأفرجت «الجديد» عن «إني اخترتك يا وطني»، وأفرجت «المنار» عن الدف والمزمار والدبكة، فيما غابت «العربية» عن الأسرى لحظة وصولهم، غير آبهة بالتاريخ... ولا باحتفالاتنا الوطنية!