التفرد في قرارات المدير الحالي، كما يؤكد أكثر من موظف واعلامي داخل «الامارة» يراوح بين شراء الكاميرات والادوات المكتبية، إلى سياسة البرمجة والانتاج. ويؤكد أكثر من مصدر مطلع في التلفزيون الوطني، أنّ التمادي في ممارسة السلطة حدت بالمدير العام الى مطالبة كل معدّي البرامج، بما فيها مديرية الاخبار، بوضع لوائح بأسماء ضيوفهم من الشخصيات العامة، ليمارس عليهم رقابة سافرة. فالمقدسي كما تأكدت «الأخبار» شطب مثلاً أكثر من مرّة أسماء السياسيين الذين انتقدوا أو ينتقدون الرئيس السابق ميشال سليمان! أما بالنسبة إلى البرامج الاجتماعية والقانونية والثقافية، فلم يتردد المقدسي في شطب أسماء لا تروق له، أو ببساطة «لا يعرفها»! البرنامج الوحيد الذي أفلت من هذا التدبير هو البرنامج الصباحي الذي يعتبره المقدسي «إنجازه الشخصي» وفيه «أطلقت أيدي المعدّين والمقدمين لاستقبال من يريدون! وثمة برامج تعاني من ضغوط الادارة المستمرة عليها، من دون مبرر اللهم إلا إشعار الجميع بـ «سلطة» المدير»!
رقابة سافرة على ضيوف البرامج ومديرية الأخبار
يقول أحد مدراء الأقسام في «تلفزيون لبنان» لـ «الأخبار» طالباً عدم ذكر اسمه، إنّ فترة «حكم» طلال المقدسي حفلت بنوعين من الاساليب الادارية: الاسلوب الأول طُبق خلال السنة الاولى حين كان «مدعوماً» من وزراء الرئيس سليمان الثلاثة في الحكومة الحالية، وكان مكوّن سياسي واحد فيها قادراً على إيقاف أي قرار حكومي. فقد تصرف المقدسي خلالها على أنّ أحداً لا يقدر عليه، فأصدر قرارات تجلّى فيها الكيد الاداري والمالي، إذ أوقف مخصصات مالية اضافية مستحقة لبعض الموظفين من أجل ترويضهم واخضاعهم، ما اضطرهم للجوء الى وساطات كان الرئيس سليمان نجمها الأبرز. ثم أفرج عن المخصصات معتمداً مبدأ التضييق الاداري، فوظف موظفين جدداً أجلسهم داخل مكاتب بعض المدراء غير المُرضى عنهم، ليكونوا «عيونه» داخل المؤسسة! وقد بلغ عدد الموظفين الجدد، وفق عقود، حوالى 75 شخصاً كانت الموازنة تصرف عليهم لا على البرامج أو الانتاجات الجديدة.
أما الأسلوب الثاني، فطبق خلال السنة الأخيرة، عندما صار مطلوباً لإيقاف أي قرار حكومي اعتراض مكونين سياسيين فيها، فبدأ المقدسي، من أجل حماية نفسه وموقعه، البحث عن حامٍ ثانٍ، إضافة الى وزراء سليمان الثلاثة، فتقرب من «التيار الوطني الحر» الذي لم يقبله، ثم من «الكتائب» فلم ينجح أيضاً، فبدأ يشعر فعلياً بالخطر، وقد ترافقت هذه التحركات مع مساعي وزير الاعلام لتشكيل مجلس ادارة جديد رشح له الدكتور جورج كلاس... وقبل أن يعود الموضوع كله الى الغموض مجدداً!
مدير آخر لقسم آخر في «تلفزيون لبنان» قال أيضاً لـ «الأخبار» إنه في حال تثبيت المقدسي في موقعه نتيجة وساطاته العليا، سيشهد التلفزيون انقلاباً لن ينجو منه حتى الذين يدعمون المقدسي حالياً. وقد اضاف المدير جازماً أنّه لم يمر في تاريخ «تلفزيون لبنان» مدير عام كانت له كل هذه العداوات مع الموظفين، وكل هذه الحسابات داخل المؤسسة وخارجها!
قبل شهرين، كان الوزير رمزي جريج ناشطاً في أمر تعيين مجلس ادارة جديد لـ «تلفزيون لبنان» لكن يبدو أنّ اعتبارات سياسية معيّنة قد أحبطته ليبقى كل شيء على حاله: المدير مطلق الصلاحيات، والموظفون خائفون على أنفسهم وعلى المؤسسة، والبرامج لا يُحكم عليها من خلال معطياتها ومضمونها، بل من خلال نظرة المدير الى أشخاصها قرباً وبعداً، والمستقبل ملتبس!
ويردد جميع المعنيين أن خلاص مؤسسة كـ «تلفزيون لبنان» هو بتشكيل مجلس ادارة يكون شريكاً في المسؤولية والقرارات، والبتّ والاعتراض، وكبح الجماح مع أي مدير عام، أكان طلال المقدسي أم سواه. علماً أنّه من الافضل لـ «تلفزيون لبنان» الا ينشغل مديره حصرياً بمستقبله السياسي... بعد انطواء صفحة الرئيس ميشال سليمان.